أدب وفن

إذا كانت هذه أرضك فأين قصصك؟

د. داوود مهنّا

إذا كانت هذه أرضك فأين قصصك؟

عبارة قالها أحد زعماء الهنود الحمر، سكّان كندا الأصليّين، في لقاء مع وفد حكوميٍّ غربيٍّ حين طالبه الوفد بإخلاء مساحة من أرضه ولم يقبل، فقالوا له: “إن الأرض للحكومة”. صمت الرّجل مليًّا بعد أن أجال بصره في نواحي أرضه وكأنّه يكلّمها بلغة اعتاد أن يحدّثها بها كل يوم، وهزّ رأسه هزّة ذات معنى، ثم قال: “إذا كانت هذه أرضك فأين قصصك؟”.

الشّعب الأصيل هو الوحيد القادر على فهم ما قاله ذلك الرجل. فالقصص التي تُنسج فوق تراب الأرض، تمتد إلى باطنها لتضرب جذورها عميقًا في التراب، وتصير تلك القصص هوية تميز الشعب من غيره. إنها حبل ضوئي يمتد من الماضي العميق إلى الحاضر الواعي، ويستمر نحو المستقبل الواعد.

للأرض قصص يوثّقها الأجداد مشافهة حينما يروونها لأبنائهم، فتتناقلها الألسن جيلًا بعد جيل. كل حجر تكمن تحته قصة مبلّلة بعرق عاملٍ أذاب قوّته حنينًا فوق ذلك الحجر. وكل غرسة تعرف قصة فلّاح زرعها بذرة، ورعاها نبتة، وتفيّأ بظلها شجرة، وأكل من ثمارها بعد صبر وإصرار وعزم. وكل سنبلة تعرف اليد التي بذرتها حبّةَ قمح، وتعرف الغيمة التي سقتها، والنسيم الذي راقصها، والشمس التي ذهّبتها، والمنجل الذي التف حول خصرها.

الأرض تضج بأصوات من سكنوها وعمروها، تحمل ذاكرتهم، فتعبق رائحتها بمجد خلّفوه وراءهم، ليشكّل هويّة أبنائهم من بعدهم.

حكايات الأرض تفك قيود المكان وتأخذك إلى أقصى زمان عاش مجدًا أثيلًا. تقلّب صفحات الأجداد فتدرك أن الحياة انتصرت عبر كتاب الأرض. فللأرض كتاب لا يمكن أن يقرأه ويفهمه إلا الذي كَتَبَه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى