أدب وفن

جذور / قصة قصيرة/ بقلم د. علي حجازي

“جذور”

“قصَّة قصيرة”

وقف أبو ماجد يرقب حركة الطقس ، لأنّه كان على موعد مع الأبناء لإيداع أغراس اللوز والمشمش والزيتون التي استحضرها في الموعد المعتاد للزراعة الأرض، فلم يرق الوضع له أبدًا، لأنّه أبصر غيومًا سوداء تتكاثف في السماء. همس في سرّه : ” إذا سكبت هذه الغيوم ماءها سنؤجِّل الزراعة إلى وقت مناسب”.
فجأةً، هبّت عاصفة شديدة الثوران، وشرعت الغيوم تتلاطم بعنف لا يوصف .برق ورعود ولا أمطار.
” إذا ؛ هي غيوم خلَّبيَّة لا مطر فيها”.
هدأت العاصفة قليلًا، كأنَّها تمنح المزارعين هدنة قصيرة ، تعود بعدها إلى الهبوب قويَّة.

جواد الذي سبق والده إلى الحديقة والراغب في مشاركتة هذه العمليّة يرقب بدوره الطقس، وما يحصل فيه باهتمام كبير،.
بدا غاضبًا جدَّا، فوالده أحضر الأغراس ليزرعها في عطلة الأسبوع، بل ليثبِّتها مع والده جيّدًا في الأرض الغالية، فالعواصف الشديدة لا ترحم .

دنا من ابنه وقال:

  • ما بك يا حبيبي ، أرى وجهك مسكونًا بقلق .
  • – متى تغادر هذه العاصفة ، وتنجلي الغيوم ،وينفرج الطقس ويصحو يا أبي؟
  • – أفهم من سؤالك انّ ما يشغلك الآن هو زرع الأغراس التي اشتريناها بالأمس بسرعة؟
  • – نعم

– -أعدك بالإسراع في ذلك فور انقشاع الغيوم.

  • مرَّت ساعة ثقيلة على جواد الذي أطلق، بعدها،صيحةَ طفلٍ صغير لم يبلغ الثامنة بعد:
  • – فُرِجَتْ يا أبي، يا أمّي . يا أخوتي، رحلت الغيمات، يمكن راحت تنام؟.
  • – بل هزمتها العاصفة وشتَّتت شملها يا جواد.(قال ماجد الأخ الأكبر) أسرع جواد يحمل غرسة لوز ويغذّ السير صوب التصوينة ، إلى الأبواج التي حفرها والده وشقيقه ماجد.
    وضعها في البوج المعدِّ لها، وبعدما نزع الوعاء عنها ثبَّتها جيِّدًا ، ثمَّ أهال التراب على البوج، وثبَّت غرسة اللوز بإتقان اكتسبه من والده الذي صحبه قبلاً إلى كرم الزيتون.
    بعد الانتهاء من الغرس أسرع يسقي الأغراس جميعها.
  • عافاكم الله ، لقد انتهينا . هلمّوا نتناول الفطور الصباحي .
  • أين جواد ، لمَ لم يأتِ معكم ؟(سألت امّ ماجد)
  • – لعلّه يسوِّي التراب جيِّداً على الأبواج (أجاب الوالد الذي أسرع يتفقَّد الإبن) ، ولكم كانت دهشته كبيرةً عندما أبصر ابنه يفترش الأرض قرب الأغراس ، فسارع يسأله:
  • – ألم تسمعني عندما قلت انتهينا؟
  • – بلى . لقد سمعتك جيّداً
  • – الجميع ينتظرون مشاركتك في تناول الفطور هيّا امش معي.
  • – أنا أريد أن أنام هنا
  • لماذا ،لا أفهم سرَّ بقائك هنا؟
  • – أبي ، أنا شاهدت العاصفة تقتلع الأشجار الكبيرة والصغيرة ، وبما أنَّني أخشى هبوب العاصفة في أيِّ لحظة قرَّرت البقاء هنا لأتمسَّك بها، ولأبقيها حيث هي في هذا التراب وهذي الأرض. أسرع الوالد يحتضنه ويقبِّله ويقول مطمئنًا: — عند اشتداد العاصفة سنحضر جميعا إلى هنا، ولن ندع أغراسنا نهبًا للعواصف يا حبيبي .
  • عند وصولهما إلى إلى البيت ربَّت أبو ماجد على كتفي جواد ، وحكى لهم سبب غيابه وقال:
  • – يا أبنائي إنَّ شجرات الزيتون التي غرسها أجدادنا في هذي الأرضِ لا تزال بخير على الرغم من اشتداد العواصف العديدة،ولا نزال نتذوّق زيتونها وزيتها اللذيذ الذي استحال نوراً أضاء عتمة ليالينا طويلاً ، وأضحى ناراً أضرمتها نساؤنا في جسوم الطامعين في امتلاكها والسيطرة على هذا الوطن الجميل وخيراته.
  • – الحمد لله الذي رزقني أولاداً بررة يخافون على أغراس صغيرة، وهذا يعني أنهم على استعداد دائم لحماية هذه الأرض، وهذا الوطن من العواصف مهما كانت شديدة.

د.علي حجازي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى