قراءة بين سطور “مرة …ذات خريف” لمكسيم غوركي
سمية تكجي *
“مرة ذات خريف وجدت نفسي في موقف صعب و بائس على السواء حيث جئت الى مدينة لا اعرفها و كنت بلا هدف و لا ادري اين انام …”
هكذا بدأ مكسيم غوركي قصته” مرة …ذات خريف” بقليل من الأحداث و بعدد قليل من الشخصيات يجعلك مكسيم غوركي تنفعل مع أدبه كثيرا كثيرا …
قرات مؤخرا قصته ” ذات مرة في الخريف ” التي نشرها عام 1895. توقفت طويلا على ضفاف هذه القصة القصيرة …عند حالات عدة …و أسئلة كبيرة ..
من المعروف ان مكسيم غوركي الروسي الامريكي يتناول في ادبه قضايا المهمشين و الطبقات الدنيا في المجتمع من الفلاحين …الغواتي ….المشردين….المتسولين …و بالرغم من ان مكسيم غوركي كتب كل الاجناس الادبية ،لكن قصصه القصيرة كان لها الوقع الاقوى على القارىء ،،، و ذلك لمهارته في تظهير الشغف و الصدق و الشفافية في سلوك ابطاله الفقراء و لكن الذين يتحلون بروح المغامرين مما ترك الأثر الكبير في نفوس القراء …
مر مقطع في القصة أثر فيّ حتى البكاء
حيث كانت البطلة التي التقى بها صدفة في ظروف بائسة لكليهما حيث كانا على قاب قوسين و ادنى من الموت جوع ،خوف، برد قارس، عتمة و رأى البطل جمال تلك البطلة بالرغم من الكدمات التي على وجهها …و بعد ان توفر جو من الإلفة بينهما …بدأت تقص عليه بعض فصول عذاباتها …و لكن الذي يثير فيك التفكير العميق …هو ان البطلة كانت تتكلم بلا مبالاة بصوت هادىء عادي عن الم يملأ ربما كونا و عن حزن بعمق محيط …الى ان وصل غوركي الى تلك العبارة الشهيرة
حيث قال عبارته الشهيرة :
“الفلسفة المستقاة من الحزن و التجربة المريرة هي اشد و اعظم من كلمات و نظريات اعظم الفلاسفة …و كلام انسان يحتضر هو اصدق و اكثر ابداعا و أبعد رؤى من اي وصف و من اي كلام كتبه أدباء و مبدعون في وصف الموت …”
التجارب القاسية افران الحياة التي تصهرنا كما يصهر المعادن فنأخذ اشكالا مغايرة …ربما نصبح اصلب و ربما نصبح اكثر مرونة …و تجعلنا في درجة اعلى من الوعي و ربما فلاسفة مسعدين ان نجترح الحلول الأفضل لأي مشكلة ، و الموقف الأنسب حين تباغتنا امور الحياة … تلك الأفكار تختزنها قصص غوركي …
و المقطع الأهم الذي استوقفني …هو ما فعلته البطلة ناتاشا حين أحست ان البطل الذي تقاسمت معه هذا الليل يكاد يموت من شدة البرد ..فما كان منها الا ان سارعت الى عناقه و اغدقت عليه بالقبل الحارة …حتى استعاد حرارة جسده و قضيا ذاك الليل متعانقين
هي لم تفعل ذلك رغبة او بدافع جنسي ، بل بدافع انساني بحت … يتجلى في هذا المقطع من القصة ما كان يريد دوما غوركي ان يوصله على متن قصته ان شرارة الإنسانية لا تخبو حتى في نفوس البائسين الذين تطحنهم الحياة
لا أدري لماذا تأثرت كثيرا عند قراءتي لهذه القصة
لا بد ان في روح كل فرد منا مكانا عميقا يحس بالصقيع …يحتاج عناقا او قبلا ليست كقبل ناتاشا
ربما تكون كلمة طيبة …رسالة …أو اشياء أخرى…