الحب وأعياده في مراحل عمر المرأة / بقلم الأديب جواد غالوم
لانريد ان نكدّر نفوسنا ونعكّر صفو اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار من كل عام والمبشّر بموسم ربيعٍ زاهر لايشبه ربيعنا العربي العاثر الدامي الذي سُمِّيَ جزافا ” ربيعاً ” ، ولانريد ان نعدد مشاهد وطرائق التمييز ضد المرأة وتعويق المساعي التي تهدف الى بناء شخصيتها ونهوضها وإضعاف دورها في المجتمعات المتخلفة وحتى المتقدمة من خلال استغلالها جنسيا وابتزاز جمالها وجعله بضاعة رائجة وصناعة مربحة في اسواق النخاسة القديمة والحديثة ، كما لانريد ان نتذكّر القوانين المجحفة الظالمة بحقّ نسائنا والتقليل من دورها في كافة الصعد الاجتماعية والسياسية والعلمية فهناك الكثير الكثير من التجاوزات التي يصعب حصرها والتي تظلم المرأة سواء من قبل الدولة وسلطاتها او من قبل المجتمع نفسه بتركيبته العشائرية والثيوقراطية المتخلّفة ولم تسلم حتى المجتمعات المتحضرة من عنت المرأة وتعنيفها والتضييق عليها والإساءة اليها اخلاقيا وجنسيا
اسمحوا لي ان انقل واعدّد صور الحب الجميلة التي تمر بها المرأة وتتخلل حياتها منذ صغرها حتى هرمها وشيخوختها ففي حوار جميل جرى بيني وبين سيّدة كريمة أعرفها مذ كنت فتىً يافعاً ومازلتُ أكنّ تقديرا واحتراما لها وأفخر بعلاقتي الانسانية معها أختاً كبرى ورفيقة كفاحٍ ، عاشت وكافحت وناضلت طوال فترة حياتها ومازالت في صبْوتها واندفاعها كعهدها ايام الشباب رغم انها في الهزيع الاخير من العمر
سألتها متندرا خلال زيارتي لها : ماهو الحب وماذا يعني لك ؟؟ وأجابتني بسرعةٍ دون تردد او تفكير مَلِيٍّ :
اول مرة سمعت كلمة ” الحب ” كانت على لسان والدي مذ كنت طفلة صغيرة وقد قبّلني وقال لي : اني احبك ؛ فعرفت بداية طفولتي ان الحب هو حنوٌ وسعادة وتربية صالحة ونشأة في بيت يخيّم عليه العطف وأحضان دافئة من لدن الأم والأب والأخوة
وحينما بلغت سن الرشد وجدت رسالة مرميّة على عتبة بيتنا كانت مرسلة من ابن الجيران وقرأت محتواها التي اختصرت بجملة واحدة هي :اني احبّك ؛ فأدركت ان الحب هو جرأة ومغامرة ولايخلو من الجنون احيانا
وعندما خطبَني ابن الجيران هذا بطريقة تقليدية تعارفْنا عليها ايام زمان بعد ان وافقتُ على الارتباط به في الرباط المقدّس ؛ همس في اذني قائلاً : أحبّك وفهمت ايضا ان الحب هو بناء اسرة وإنجاب اطفال ونشر الحنان وعمل وتفانٍ من اجل نموّ مجتمع صالح نواتُه الاولى العائلة
بعد سنة من زواجنا هنّأني مرسلا لي باقة وردٍ صغيرة معلّقة عليها قصاصة ورق ملوّنة كتب عليها عبارة : اني احبك فأيقنت ان الحب هو شوق وولَهٍ وحنين
ولمّا أنجبت اول اطفالي في المستشفى كنت متعبة وملقاةً على السرير مع اني مفعمة بالفرح بولادة اول نسلٍ لي وجاءني زوجي وأمسك بيدي قائلاً : احبك وتأكدّت حينها ان الحب شكر وتقدير ورعاية واهتمام
مرّت السنون واشتعل الرأس شيبا وتزوّج الابناء والبنات وابتعدوا عني إلاّ من زيارات خاطفة ، ومع ذلك مازال زوجي يلهج بكلمة احبك وعرفت تماما ان الحب يعني ايضا عطف ورحمة ومودة
هرمنا انا ورفيق عمري وصرنا عاجزَين وبالكاد نتحرك من مكان الى آخر ولانغادر بيتنا الاّ لمراجعة المشافي وزيارة الاطباء لكن زوجي ظل يردد هذه الكلمة الجميلة : احبك وترسخت في ذهني ان الحب وفاء وصدق وإخلاص وعطاء
تقول السيدة المضيّفة ؛ هكذا عرفت الحب طوال سيرة حياتي ورفقتي مع زوجي وكنّا نستهزئ بورقة العقد المبرم بيننا والذي تهرّأ واصفرّت ورقته بتقادم الزمن وشطبنا العبارة البارزة في اعلاه والتي تشير بعبارة ” عقد نكاح ” وأبدلناها بعبارة ” عهد زواج مقدّس ” وأقولها بملء فمي ؛ كلما تقدم بي العمر اكتشفُ معنى جديدا للحب
خرجتُ من بيتها مذهولا بما أباحت به من كلام ينمّ عن قلب كبير خبرَ الحياة وعاشت مشوار الحياة بحلوه ومرّه وقد رسمتَ الحب بأبهى صوره ولم يزل مفعما بالودّ والمحبة والذكريات النابتة في مخيلتها ورحت اردد مع نفسي بعضا من جُمَلِها التي دخلت في سريرتي بلا استئذان
ما أقلّ مفردة حب بحرفيها وما أصغرها حين تكتبها وما أوسع معانيها ودلالاتها . لاتكفي الف تهنئة وتحية للمرأة في عيدها وعذرا فليس لي سوى تلك الكلمات اقولها اذ صعب عليَّ ان احزم بعض الورود وأقدّمها اليها فحدائقنا حملت حنظلا وامتلأت بقاعنا أشواكا واخزة ، وهل هناك افضل من الكلمات للتعبير عن معاني الحب والبهجة للجنس الناعم روحا وجسدا مثلما قالت سيدتي المرأة التي أعجزتها الايام والسنون لكن قلبها بقي نابضاً محباً للحياة ودماؤها ظلّت نقية رغم كل الغبار والتلوّث العائم في أجوائنا