أدب وفن

لا أبْصِرُ إلا غاباتِِ …بقلم الشاعر روبير البيطار

لا أبْصِرُ إلا غاباتِِ

أَتَمَشّى في وَجْهي
لا أُبْصِرُ إِلا غاباتٍ
يَعْبُرُني دَرْبٌ وَصُراخٌ
لا أُبْصِرُ إِلا غاباتٍ
أَمْشي أَمْشي لا هَمَّ فَقَدْ ضَوّا حَقْلٌ خَلْفَهُ حَقْلٌ…
لا أُبْصِرُ إِلا غاباتٍ
شَجَراتُ الدَمْعِ تُحاصِرُني تَفْرُطُها الريحُ بِمَوْسِمِها
لا أُبْصِرُ إِلا غاباتٍ

ذاتَ غُبارٍ أَوْقَعَني مِنّي نَيْساني
بِرَذاذِ الحُبِّ وَلَفْحِ النورِ وَزَهْرِ الدُنْيا غَطّاني
أَوْقَعَني مِنّي نَيْساني
وَكفاني أَنّي أَكْفاني
أَنّي لِلْعابِرِ صِرْتُ غُصَيْناتٍ
لا أُبْصِرُ إِلا غاباتٍ

أَتَمَشّى في نَبْضي
أَرْتَجِلُ اللهَ وَأَمْضي
في جَيبي قِطْعَةُ أَحْلامٍ ضَجِرَتْ
وَعَلى عُنُقي رَفْضي
أَحْمِلُني أَحْمِلُ إِخْفاقي
وَهُبوبَ اللَيلِ بِأَحْداقي
في جَيْبي نُتْفَةُ أَيّامٍ نُثِرَتْ
وَعَلى عُنُقي بَعْضي
أَحْمِلُني أَحْمِلُ سَقْطاتٍ
لا أُبْصِرُ إِلا غاباتٍ

أَتَمَشّى في صَوْتي
يَلْبَسُني شالٌ مِنْ مَوتي
أَلقاني أَخرُجُ مِنّي
أَلْقاني أَسْألُ عَنّي
أَلْقاكِ أُساكِنُ لَفْتاتي
وَأَمُدُّ أَمُدُّ العُمْرَ بِساطًا يَسْهَرُ تَحْتَ مَساءاتي
وَعلى جَبْهَتِكِ الحُرَّةِ تولَدُ آلافُ الثَوْراتِ
عَلى جَبْهَتِكِ الحُرَّةِ تَخْتَرِعُ الشَمْسُ خُصَيْلاتٍ
لا أُبْصِرُ إِلا غاباتٍ

ما زِلْتُ أُفَتِّشُ عَنْ مِزَقي
عَنْ آخِرِ سَطْرٍ
آخِرِ عِطْرٍ
آخِرِ جَنْحٍ غَرَّبَني
في رَقْصَةِ شَعْرِكِ أَبْحَثُ عَنْ فَيْءٍ
عَنْ دَهْرٍ سُوِّحَ وَانْهَمَرا
عَنْ نَهْرٍ
في شَعْرِكِ أَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ
لا أَعْرِفُهُ
لا يَعْرِفُني
ما زِلْتُ أُفَتِّشُ عَنْ رَمَقي
عَنْ آخِرِ عُرْيٍ عانَقَنا
وَتَسَلَّقَنا
في سُلْطَةِ عَيْنَيْكِ أُفَتِّشُ عَنْ آتٍ
لا أُبْصِرُ إِلا غاباتٍ

جِئْنا مِنْ هَضْبَةِ وَعْدٍ
جِئْنا مِنْ خَطْرَةِ بالٍ مِنْ نِسْيانٍ خَلْفَ شُطوطِ الذِكْرى
جِئْنا مِنْ هَضْبَةِ وَعْدٍ
وَعَلى صَهْوَةِ رَعْدٍ
جِئْنا
لَيْلَيْنِ يَطوفانِ الأرْضَ سُدًى
مِنْ مَمْلَكَةِ الظَنِّ أَتَيْنا
في كَفَّيْنا كَمْشَةُ دَهْرٍ
في جَنْحَيْنا خَفْقَةُ نَهْرٍ
جِئْنا مِنْ مَحْرَقَةٍ مِنْ آياتٍ
لا أُبْصِرُ إِلاّ غاباتٍ

يا ذاتَ الغَسَقِ الباكي
وبَقِيَّةَ صَمْتٍ عَلِقَتْ عِنْدَ غَياهِبِ شُبّاكي
أَهْدَيْتُكِ رَجْعَ العَصْفِ وَضَوْءَ العَوْدِ
وَرَمْلَ التاريخِ وَشَمْسي
أَهْدَيْتُكِ أَنْفاسَ الأَمْسِ
يا ذاتَ الغَسَقِ الباكي
أَهْدَيْتُكِ غَفْوَةَ أَفْلاكي
وَإِلَيْكِ أَصُبُّ المُطْلَقَ كاساتٍ
لا أُبْصِرُ إِلاّ غاباتٍ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى