“الأُمُّ” عَبْرَ دَلالاتٍ مِنَ الثَّقافةِ واللُّغة في لُبنان (تحيَّةً إلى “الأمِّ” وإلى كلِّ “أنثى”، في يَوْمِ “عِيدِ الأُمَّ”)
الدكتور وجيه فانوس
(رئيس المركز الثقافي الإسلامي)
يَرِدُ في الأقوالِ الشَّعبيَّةِ المُتوارَثةِ والسَّائدةِ في لُبنان، أنَّ “الدُّنيا أم”؛ ويَرِدُ، كذلك، أنَّ “جناح الأم بِيْلِم”؛ كما يَرِدُ، أيضاً، “يا وَيْل عْلَيْه يِللِّي ما عِنْدُه أُم تبكي عْلَيْه”. ولمَّا كانت الثَّقافة الشَّعبيَّة دليلاً أساساً على مفاهيم أصحابها وقِيَمِهِم، فإنَّ في هذهِ الأقوالِ خير دليلٍ على مفهومِ اللُّبنانيين، وربَّما مَن يَشْتَرِك معَهم في تَبَنِّي هذهِ الأقوال الشُّعبيَّةِ، مِن شُعوبِ المناطقِ المحيطةِ والمجاورةِ وسِواها، لـ”الأم”. فالأمُّ، هَهُنا، هِيَ الدُّنيا؛ وهِيَ الوُجودُ بكلِّ ما فيهِ وكلِّ ما يَتَفرَّعُ عَنْهُ أو يَنْبَثِقَ مِنْهُ؛ بَلْ إنِّها التَّكثيفَ الحقَّ للوجودِ؛ كما إنِّها فِعْلُ لُحْمَتِهِ وديمومَتِه.
“الأمُّ”، هِيَ مَنْ يَلُمَّ ما تفرَّقَ وتبعثَّر مِنْ شؤونِ أسرتها؛ و”الأمُّ”، بذا، هي جامِعَةُ الأُسرةِ وحاضِنَةُ الأولادِ وراعيةُ الزَّوجِ والسَّاهرةُ على راحَةِ الأَحْفادِ؛ وكأنَّ الوُجودَ دائِرةٌ، و”الأمُّ” هي المَركزُ الذي تَجْتَمِعُ حَوْلَهُ الدَّائرةُ وتلتقي؛ ولا تكونُ الدَّائرةُ وجوداً بِغَيْرِه. و”الأمُّ”، أيْضاً وأيْضاً، ووِفاقاً لِلمُتداوَلِ مِنَ الأقوَّالِ الشَّعبيَّةِ في لُبنان، هي مَن يَذرفُ دَمْعَهُ، فِعلَ تَحنانٍ ولَهْفَةٍ وأمانٍ ورِعايةٍ، في حياةِ الإنسانِ؛ فإذا ما فَقَدَ المَرءُ هذهِ “الأمّ”، فإنَّهُ لَنْ يَجِدَ مَنْ يَرْفُدُهُ بِما يحتاجه مِنْ حنانٍ ولَهفةٍ وأمانٍ ورِعاية؛ وإذا بهِ، تالِياً، في حالٍ مُؤلِمٍ
مِنْ قَحْطِ الحياةِ وَجَدْبِها. فـ”الأمُّ”، كما يَظهرُ مِن خِلالِ ما يقدِّمُهُ هذا المَوْروثُ الشَّعبيُّ مِنْ قِيَمٍ ودلالاتٍ، والذي ما زالَ مُنتشِراً ومُعتَمَداً في الحياة اليَومِيَّةِ للنَّاسِ في لُبنان، هِيَ الوُجودُ، وهي مَرْكَزُهُ وقدرتُهُ على الاستمرارِ والعَطاء.
قد يكونُ ثمَّة مَن يرى أنَّ هذه التَّعابيرَ والأقوالَ الشَّعبيَّة، الآنفةِ الذِّكر، ليست إلاّ مِن واقعِ تَعَلُّقِ الكثرةِ الغالبةِ من اللُّبنانيين، ومَن شاكلهُم مِن ناس البيئةِ الثَّقافيَّةِ، بمفهومِ “العائلة”، وعدم تخلِّيهم عن هذا المفهوم، تحقيقاً مِنهم لكيانهم الحياتيِّ العام؛ وترابطهم الأُسَرِيِّ، ضمن هذا الكيان، بوجهٍ خاصّ. وقد يكون هذا القَوْلُ حقيقيَّاً وصحيحاً، لكنَّه حقيقيٌّ وصحيحٌّ ناقصٌ. إنَّهُ قَوْلٌ حقيقيٌّ إذْ “العائلةُ” لا تزال وجوداً أساساً في حياةِ هؤلاءِ القَوْمِ، على مختلفِ مستوياتِ هذه الحياة؛ وهو صحيحٌ لأنَّ ما مِنْ مؤسَّسةٍ استطاعت أنْ تحلَّ، بجدارةٍ، محلَّ “العائلة” في حياتهم؛ و”الأم” لا تزال ركناً أساساً في وجود “العائلة” في لُبنان. وهو قَوْلٌ ناقصٌ لأنَّ ا”لأمَّ”، ليست الرُّكنَ الوحيدَ الذي تقوم عليه حياة “العائلةِ”؛ ثمَّة وجودٌ لـ”الأب” كما للأبناء والبنات؛
فَهَل ركَّزَت الأقوالُ الشَّعبيَّةُ، على فاعِلِيَّةٍ مُماثِلَةٍ في مجالاتِ ذِكْرِها لـ”الأب” أو “الإبن” أو “الابنة”، أو سوى ذلك؟
قد يَجِدُ النَّاظرُ في الأمثالِ والأقوالِ الشَّعبِيَّةِ، المتعلِّقة بـ”الأب” أو “الأولاد”، ما يُخالِفُ القِيَمَ التي تُمَثِّلُها الأمثال والأقوال المتعلِّقة بـ”الأم”. يقولون، وعلى سبيل المثالِ، “جناح الأمّ بِيْلِم، بَسْ جناح الأب طيّار”؛ ويقولون، كذلك “قلبي على وَلَدي وقلب ولَدي على الحَجَر”. فـ”الأب” لا يمثِّل، ههنا، مركز الدَّائرةِ، ولا هو القادرُ على اختصارِ الوجودِ والتَّعبيرِ عنه والإنطلاق بِهِ، كما هي الحالُ مع صورةِ “الأمِّ”، في الأمثال السَّابقة. أمَّا “الولدُ”، ذَكَراً كان أو أنثى، فلا يقدِّم، وفاقاً للمثل المذكور آنفاً، التَّحنان واللَّهفة والرِّعاية، كما ورد في صورةِ “الأمّ”، فيما سبق من أمثال. “الأمّ”، إذن، لم تَرِدْ في هذه الأمثال والأقوال لأنَّها مجرَّد أحد أفراد العائلةِ، بل لأنَّ لها، عبر الموروث الشَّعبيِّ، مفهوماً ينطلقُ من هذا المفهوم، بيد أنَّهُ لا يقتصر عليه على الإطلاق؛ فالأقوال المتوارثة والأمثال الشَّعبيَّة، المتعلِّقة بـ”الأمّ”، لا تذكر “الأمَّ”، بحكم عضويِّتها في الأسرة، بل بحكم فاعليَّةٍ لها في الحياة، تتجاوزُ الأسرة لتشمل الوجود في أي شكل اتخذ.
تُعْتًبَرُ “اللُّغةُ”، عِند علماءِ الاجتماعِ، مَظْهَراً أساساً للدَّلالةِ على حياةِ ناسِها؛ إذ “اللُّغةُ”، ههنا، هي الوَجْهُ النَّاطقُ بحضارَتِهِم والدَّال على قِيَمِهم والشَّاهد على مناهج تفكيرهم. ومن هنا يُمكِنُ النَّظر إلى المفهوم العظيم لوجود “الأمِّ” في حياة العربِ، واللُّبنانيين مِنهم، عَبْرَ آفاقِ اللُّغة العربيَّةِ؛ وإذا ما كانت “اللُّغة” تعبيراً عن الوجود؛ فهي، أيضاً، تعبيرٌ عن الحضارة، ومن هنا، فإنَّ لـ”اللُّغة” قدرةً في الدَّلالة على مفاهيم النَّاس وقِيَمِهم، كما هي على حقيقتها، وبعيداً عن كلِّ تحويرٍ خاطئٍ قد تقدِّمه بعضُ أحداثِ الحياة ومظاهرها ومساعس تأويلها. فكثيراً ما تجنح أحداثُ الحياةِ وظروفها إلى الضَّغط على القِيَمِ الأصيلة لدى الجماعة، وكثيراً ما تقود هذه الضُّغوطات إلى الابتعادِ عن أصالةِ القِيَمِ وعُمْقِها الحضاريِّ في وجودِ ناسها.
النَّاسُ في لُبنان يعتمدون اللُّغة العربيَّة في كثيرٍ جَمٍّ من مناحي حياتهم، ولقد تبنُّوا هذه اللُّغة منذ قرون عديدة ممعنةٍ في عمقها التَّاريخي؛ وكان تبنِّيهم لها، إمَّا لأنَّها لغتهم التي لا لغةَ لهم سواها، كما هي حال الجماعات التي وفدت إلى المنطقة مع “الفتح الإسلاميِّ؛ أو لأنَّها اللغة التي وجدوها أكثر قابليَّةً على التَّعبير عن عيشهم وتطوُّرهم الحضاري، كما هي حال الجماعات التي انتقلت من الاستخدامٍ اليومّيٍّ للُّغة
السّريانيَّة أو سواها، إلى اللُّغة العربيَّة. الإنسان، إذن، ابن حضارة اللُّغة التي يعيش من خلالها وبها؛ وهذه اللُّغة هي الدَّليل عليه وله. من هنا، فإنَّ نظرةً إلى مفهومِ “الأمِّ”، في اللُّغة العربيَّةِ، قد يكون دليلاً لِفَهْمِ قيمة “الأمِّ”، ومعنى وجودها الكامل في حياة النَّاسِ في لبنان، كما في عالم النَّاطثين بالعربيَّةِ فيحياتهم اليومية، وفي حضارتهم على حدٍّ سواء.
يَجِدُ الباحثُ في رِحاب كلمة “أم”، في اللُّغة العربيَّة، عدداً كبيراً من المعاني والاستخدامات التي تنتهي دائماً إلى مفهومٍ أساسٍ لدلالةِ هذه البناية الكلامية المؤلَّفة من التَّراتب الحرفي (أ، م، م). ويُمكن الدَّلالةُ على هذا الأمر ببعض الأمثلة، التي تُظْهرِها، نصوصُ من القرآن الكريم، وأمَّات المعاجم العربيَّة، مثل معجم “العين”، للفراهيدي، ومعجم “لسان العرب”، لابن منظور.
1) الأَم (بفتح الهمزة) هو القصد والهدف، ونقول أم المكان أي قصده، كما نقول يمم وجهه تجاه البيت أي إنه قصد البيت وتوجه إليه.
2) مِئَم: أي هادٍ ودليلِ، وهذه الكلمة تقال، عند العرب، للجَمَلِ، فالجَمَلُ المِئمُّ، كما النَّاقة المِئَمَّةُ، هما الهاديان أو الدَّليلان اللذان يتصدَّران القافلة ويقودان بعيرها.
3) الأُمَّة: الشُّرعة أو الدِّين؛ وما الشَّرعةُ أو الدِّين إلا لهداية النَّاس وإرشادِهم إلى ما يرضي الله ويقود إلى نعيمه؛ وقد ورد في النَّص القرآني في الآية 22 من سورة “الزُّخرف”: {بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون}، وورد في الآية 92 من سورة “الأنبياء”: {إن هذه أمَّتكم أمَّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}.
4) أُم: أصلٌ وبدايةٌ؛ وعلى هذا جاء في القرآن لفظ “أُم الكِتاب” في عدد من السُّورِ منها سورة “آل عمران”، الآية 7 إذ يذكر “هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب”، وفي سورة “الرَّعد”، الآية 29 {يمحو الله ويثبت وعنده أم الكتاب}، وسورة “الزُّخرف”، الآية 4: {وإنَّه في أمِّ الكتاب لدينا لعلي حكيم}. ورد، كذلك، استخدامٌ لِلَّفظِ “أُمّ القُرى” للدَّلالة على “مَكَّة”؛ أو على أيَّةِ بلدةٍ أُخرى، يمكن أن تُعتبر مُنْطَلَقاً لِعمرانِ منطقتها، أو هي أكبر المُدُنِ أو القرى فيها. وقد جاء مثل هذا في الآية 92 من سورة “الأنعام” {وهذا كتاب مبارك مصدّق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها}، كما ورد في الآية 59 من سورة “القَصَص”:” {وما كان ربُّك مهلك القرى حتى يبعث في أُمَمِها رسولا}.
5) “الأَم”، بفتح الهمزة، فهو الحال والشَّأن؛ وعلى هذا تقول العرب: “ما أَمِّي وأَمُّه وما شَكلي وشَكله”؛ تعنى ما أمري وأمره. وتأتي “أَمَّ”، بفتح الهمزة وتشديد الميم، فعلاً بمعنى التَّقدُّم؛ ومِن هذا القول إنَّ فلاناً أمّ القَوْمَ وهو أمامهم، أي إنَّه تقدَّمهم وهو قائدهم. ومِن معاني “الإمام”، عند العرب، الخيط الذي يُمَدُّ على البِناء، فيُبنى عليه ويُسوَّى عليه سافُ البناء، وهو كذلك خشبة البِناء يُسوَّى عليها. و”الأمام” بفتح الهمزة فهو القُدَّام، والأُمة، بضم الهمزة، القرن من الزمن، وهو، أيضاً، القامة والوجه، وفيه تقول العرب “حسن أمُة الوجه أو قبيح أُمة الوجه”. ولا يخفى، ههنا، أنَّه يردُ القرآن الكريم في سورة “البقرة”، الآية 128: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أُمة مسلمة}.
وكيفما دار الأمر، فإنَّ اللُّغة العربيَّة تشهدُ أنَّ “الأُم” هي الأساس في كلِّ أمرٍ مِن أمور الوجود؛ إذ هي المُنْطَلقُ، وهي التَّكوين، وهي التَّشكُّل النِّهائيِّ، وهي الاستمرار؛ ومِن غَيْرِها أو بدونِها، لا وجودَ ولا تشكُّلَ ولا استمرار. ولعلَّ العربَ لم تكن لتبالغ عندما سمّت كثيراً من أمورِ عَيْشِها بلفظة “الأُم”؛ فهم يقولون:
1) (أُمُّ) النُّجوم، للمجرَّة؛ لأنَّها مجمع النُّجوم.
2) (أُمُّ) الطَّريق، للطَّريق الرئيس الذي تتفرَّع منه طُرُقٌ صٍغار.
3) (أُمُّ) الحرب، للرَّاية؛ وهي عندهم شعار المتقاتلين.
4) (أُمُّ) الرُّمح، للِّواء في الحرب.
5) (أُمُّ) الدِّماغ، للجِلْدَةِ التي تجمع الدِّماغ.
6) (أُمُّ) الباطل، للباطل كلّه.
7) (أُمُّ) كلبة، للحمى القويَّة الشَّديدة.
8) (أُمُّ) اللهم، للمنية.
9) (أُمُّ) خنور، للخصب.
10) (أُمُّ) جابر، للخبز.
11) (أُمُّ) صبّار، للحرِّ الشَّديد.
12) (أُمُّ) عُبَيْد، للصَّحراء.
13) (أُمُّ) عطية، للرحى.
14) (أُمُّ) شَمْلَة، للشَّمس.
15) (أُمُّ) الخلف، للدَّاهية.
16) (أُمُّ) ليلى، للخَمر.
17) (أُمُّ) درز و(أُمُّ) حباب، للدُّنيا.
18) (أُمُّ) رياح، للجرادة.
19) (أُمُّ) عامِر، للمقبرة وللضَّبع.
20) (أُمُّ) جابر، للسُّبنلة.
21) (أُمُّ) غياث، للقدر التي يُطبخ بها ويُطعم منها.
22) أُميمة وأُمامة، اسم لإمرأة.
وتبقى “الأمُّ”، هذه الأنثى، التي لولاها لما كان للحياة طعمٌ ولا وجود؛ الأنثى، التي ترعى؛ والأنثى التي تجمع، والأنثى التي تُحبّ، والأنثى التي تعشق، والأُنثى التي تلد، والأنثى التي تواسي وترحم وتسامح، والأنثى التي تُلهم الأبطال والعباقرة، والأنثى التي تحطِّم، والأنثى التي تبني.
أوليست، تالياً، هي المخلوق الذي تقوم عليه وله وبسببه الحياة؟ أوليست هي المخلوقُ الذي لا حياة حقيقية من دونه؟
ولذا، وبكلِّ تأكيدٍ، فقد فتَّش العربُ عن اسمٍ، يستوعب في لغتهم، جميعَ هذه الصِّفات وما فيها من أهميَّة وأساسٍ، فلم يجدوا إلا اسم “الأم”، لها؛ فقالوا عنها إنَّها “الأم”. و”الأمُّ”، ههنا، لفظُ يستوعب صفة الأنثى الولود التي تنجب الأولاد، ويتجاوزه؛ ليشمل الأنثى في كلِّ تشكُّلٍ وفِعْلٍ لها. لقد أدركت العرب
أنَّ كلَّ أنثى “أُم”؛ لأنَّ الأنثى وجودٌ أساسٌ فيهِ كلُّ غِنىً، ولا بديل منه في الحياة؛ وأدركوا، كذلك، أنَّ هذا الوجود الأنثوي، يتجاوز في فاعِلِيَّتِهِ الوجودَ الذَّكريِّ؛ ولذا أطلقوا عليه أسم “الأم”.
إذا كان هذا هو الحال مع العربِ، في لغتهم المعبِّرة عن واقع معيشتهم وتفكيرهم وقِيَمِهم؛ فهل يختلف الأمر عن حال الأمم الأخرى؟ واقع الأمر هو حالٌ واحدٌ؛ فـ”الأمّ”، عند جميعِ شعوب العالم، هي الأساسُ، و”الأمُّ” هي المنطلق. قد تكون بعض قضايا الزمن المعاصر ومشاكله قلَّلت من شأن احترام “الأم/الوالدة” في بعض المجتمعات التي تعاني انحلالاً أخلاقياً؛ لكن هذه المشاكل وتلك القضايا لم تستطع، ابداً، أن تُقَلِّلَ من أهميَّة وجود “الأم/الأنثى”. فـ”الأنثى”، أساسٌ في كلِّ واحِدٍ من شؤون الحياة؛ أكان هذا في الماضي، أو كان في الحاضر، أو سيكون في الآتي من الزَّمن. سرُّ الحياة الخالد أنَّها ابنة الأنثى، و”الأنثى” “أُمُّ” الحياةِ؛ ولذا فعندما يقال، “الدُّنيا أُمّ”؛ فإنَّ المقصود أنَّ الدُّنيا أنثى؛ وعندما يُقال “جْناح الأم بِيْلِم”
، فالمقصود أنَّ “الأنثى” هي التي تجمع وتأوي وتَحْضُن؛ وإذ يُقال “وَيْل عْلَيْه يِلِّلي ما عنده أم تِبْكي عْلَيهْ”، فالمقصود “وَيْلٌ لِمَنْ لا تُحيطُه أُنثى بِرعايتِها وحَنانِها”.
أيَّتها “الأنثى”، يا “أُمَّ” الدُّنيا، حنانيك؛ فلولاكِ ما كان للدُّنيا أنْ تكون كما هي جميلة وساحرة وخلاَّبة؛ ولما كان لوجود “الذَّكرِ”، أن يكون فعلَ سعيٍّ لا يتحقَّقُ كمالهُ إلاَّ مِن خلالك. لولا وجود “الأنثى”، لتغيَّر كثيرٌ مِن معادلات الحياة، ولأصبح وجود الذَّكر، “الأب”، سُخفاً وبعض هباء وفيض شقاء. ولذا، فعندما يكون التَّقدير موجَّهاً إلى “الأم”،، فإنَّهُ تقديرٌ لا يكون ولن يكون، عن وعي أو لا وعي، عن معرفة ويقين أو عن جهل واهتداء بالحدس، إلاَّ إلى “الأنثى”، وإلى كلِّ “أُم”.