أدب وفن

” لعبة الكريات الزجاجية ” /هرمان هسه/ قراءة أدبية/ **الشاعرة حكمت حسن

لعبة الكريات الزجاجية
هرمان هسه

لا شيء مهما كان كاملا يجب أن يبقى مغلقا، الكمال لا آخر له.
أردت أن أفتتح مقالي بهذه العبارة كي أدعو نفسي إلى المزيد من المعرفة والبحث والتأكيد على وجوب تحفيز الفكر على التوسع المستمر. و( كنشت) الماجيستر لودي بدأ كتلميذ مبتدىء وتدرّج حتى وصل إلى أعلى لقب في ( لعبة الكريات الزجاجية ) القائمة على الفكر واللعب، ومن خلال هذا المركز العالي استنتج أن لا شيء يدوم رغم انسجامه الدقيق وكماله الواقعي ، وكان ان استقال .
سلك ( كنشت) خلال رحلته من عالم الموسيقا إلى لعبة الكريات الزجاجية عدة تدرجات،
١- ( الحكم: تقاس قيمة الشخصية بقدرتها على تنمية شخص تنمية فاعلة توشك ان تكون كاملة بالتنظيم الهرمي للمجتمع).ص٤٠
٢-(الفكر :يشكل نفسه حسب القدرة وحسب الضرورة المطلقة) ص’:٤٤ .
٣-(ذكر اسم مشهور مع موضوع يهم الناس ، هدفه تسخيف الرأي الذي يكونه القراء وبالتالي تتسطح المعرفة،تهكم شيطاني يائس) ص: ٤٨ .
،(وبالتالي يحيكون حوله الحكايا ،ويضيفون له طرائق سيكولوجية مثيرة) ص:٤٩.
٤-(لعبة الكلمات المتقاطعة استجابة عميقة هدفها الهرب من التهديد العميق بالفناء، وفي هذا العالم الخيالي يقل الأذى) ص: ٤٩.
وطالما يحاول الانسان المستحيل كي يكسب هذه الدنيا يقول كنشت:
(حدثت معجزة كريمة ، او هي مصادفة بحد ذاتها، كان لها فعل المساندة الالهية). ص:٥٣
والعامل الأهم ،(اكتشاف نعمة الموسيقا، وأن لها أصل فقد نشأت من التوازن، والتوازن ينشأ من العدل والعدل ينشأ من روح الدنيا. لذلك لا يمكن أن يتكلم المرء عن الموسيقا إلا مع من عرف روح الدنيا) ، ص :٥٧ .
وكم جميل أن يطلب من المشتركين قول كل ما يرد في عقولهم حتى لو كان مناقضا للنوتة الاصلية ،
(ففي معهد كولونيا عادة ابان اللعب قد يرد أحد اللاعبين القطعة الموسيقية ب صوت أعلى أو أوطأ أو بلحن مناقض). ص:٦١

ومما لخص سيرة حياة الماجستر كنشت أن ما خبره من معرفة ينهيه وينتقل ألى مرحلة أخرى،
(تحول كل هذا إلى شيء مؤقت ، إلى ثوب تهلهل ولم يعد يصلح في أي مكان) ص:٩١،
(فما كان الالهام عنده تعلية للرتبة ، بل كان تذكرة داخلية في نفسه وشحذا لهمته لا اكثر )ص:٩٢،
(إني اذ املك هذا الارتباط الخاص ، شيئا جميلا جدا ، لا أقبل به بديلا مهما عظم . لكن الارتباط المتمثل في خبرتين حسيتين في كل مرة تأتيني بشائر الربيع امر من اموري الخاصة ، امر يمكن ايصاله الى الآخرين ، بلا شك ، كأن احكيه لكم الآن ، ولكن لا يمكن نقله إلى ذات الآخرين) ص:١٠٣،
(ينبغي على الانسان أن يهتم بكل شيء لأن الانسان يستطيع تفسير كل شيء ) ص:١١٤، في
سنوات دراسته تعلم كنشت: (ان أردت أن تصبح مدرّسا أو عالمًا أو موسيقيًا فعليك أن تحترم ( المعنى) وأن تعتبره شيئا غير قابل للتعليم). ص:١٦٠،
(فان هذه البذور إذا أسلمت ألى تربة دسمة ، ومناخ طيب، حملت في ذاتها ميراثا من الانطواء
وعدم الثقة التي كان آباؤها يعيشون فيهما ، وأصبح الايقاع البطيء في النمو من صفاتها الوراثية ) ص:٢١٤
(كان كنشت خدم جماعة فكرية يعجب بقوتها وروحها، ويرى الخطر في ميلها إلى اعتبار ذاتها هدفها الخالص، وإلى نسيان واجبها واستراكها في البلاد وفي الدنيا كلها ، مما يؤدي إلى فنائها بعد أن تنقسم عن الدنيا، وتتحول إلى جزء براق عقيم منفصل عن الحياة.)ص: ٣٢٤
(ان عملا فكريا او فنيا او فكرا مموضعا ، كلها نتاجات نهائية ، نتائج أخيرة لصراع من أجل التنقي والتحرر ، انها انطلاقات من الزمن إلى ما تجرد عن الزمن ، أنها أعمال لا توحي بشيء مما سبقها من صراع ونضال )ص:٣٢٩
(هذا الصفاء والمرح ليس عبثا و زهوا ، إنه أسمى معرفة وحب، إنه قبول كل واقع، إنه اليقظة على حافّة كل هوة سحيقة. إنه شيء لا يضطرب ولا يزداد بالتقدم فيالسن والاقتراب من الموت إلا شدة. إنه سر الجمال والحقيقة لكل فن . كابتسامة (بوذا) ورقص( شيفا))ص: ٣٦٨،
(فلتذهب إلى فراشك باذن مليئة بالموسيقا. وإن نظرة إلى السماء ذات النجوم واستماعا إلى الموسيقا قبل الذهاب إلى الفراش ، خير من المنومات التي تتعاطاها كلها)ص: ٣٧٠
وبعدما امتلأ بالموسيقا وبلعبة الكريات الزجاجية اراد أن يذهب مع فكره في رحلة فكتب خطاب استقالة إلى مجلس الفكر، قال فيه:
(ليست الكلية هي التي تقرر حاصل ضرب اثنين في اثنين ، بل الذي يقرر ذلك هو السيد الجنرال ،
هذا حال المفكرين الذين يخضعون للسلطة،ومنهم من يعارض وآخرون يلوذون بالصمت، وأنا الغالبية فتتعلم الصمت والبرد والجوع والتشرد والتسول والاختفاء، ولم يعد من الممتع او المشرف أن يكون الانسان عالما او أديبا معروفا)ص: ٤٠٨
(ولكن المحور لا يمر بالركز بالضبط فتكون النتيجة أنه يبعثر نصف قوته في حركات ناخية الهارج تضعفه هو وتبلبل ما حوله) ص: ٤٥٣
والخلاصة هنا هي التحلي بالجرأة على القفز ، القفز في الفكر والقفز إلى ما يقرب المسافة بينه وبين تلميذه، وما أجدر بلقب الأستاذ من يقترب من جيله لا يعمد على جلب الجيل له ألى الوراء.
وكل كمال قابل للتجاوز.
حكمت حسن البنية ٢٣-٥-٢٠٢٠

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى