أدب وفن

بعد إمعانِِ في السّهر وفي لغة الطيور/ أدب / الشاعرة ريم كبا

بعدَ إمعانٍ في السَهَر وفي لغةِ الطيور !

وبما أنَّ بيتيَ يقعُ في طابقٍ عالٍ يؤهلني لسماعِ أصواتِ الطيور بجميعِ أنواعِها، أكادُ أجزم صباحَ اليوم أنِّ مِزاجَ الطيور ليسَ على مايرام فأنا لاأسمعُ الزقزقة والتغريد المُعتادَين !! ..
لَقَد ألِفتُ على مدى سنين الإصغاء إلى أصوات الطيور حتى بِتُّ متعمقة بموسيقى التغريد التي تتناوَبُ على عزفِها كلَّ فجر !! ، بل أكثر .. لقد بِتُّ أميِّزُ تَغريدَة عن أخرى ! .. بل أكثر .. لقد بِتُّ أتوقُ مثلا” لسماعِ صوت تَغريدة معينة و أفتقدُها إن لم أسمعها ! ..لقد باتَ تغريد الطيور صوتَ روحي وقلبي وأصبحَ أكثر ما يؤلمني أنها لاتعرف ما أشعر به تجاهَها وتِجاهَ أصواتِها !! .. العقلُ يقول أنها لاتملكُ مشاعرَ وَ أحاسيس .. َلكنَّ القلبَ يَقول أن هذه الكائنات التي تغرد على هذه الشاكِلَة تتمتع بأعلى قدرٍ من الحساسية والرهافة ..
أعودُ إلى مِزاجِ الطيور الغاضب هذا الصباح والذي لم أعرف لهُ سببا” حتى فتحتُ نافذتي وأخذتُ أتأملُها إنها لاتسبحُ في الفضاءِ بِخفَّة هذا الفجر إنَّ لأجنحتها رفرَفاتٍ عصبية تتآلَفُ وَتنسجم مع الأصوات الغاضبَة التي تُصدِرُها ! .. لربما تُوُفيَ أحدُ الطيور ؟؟ أو تحطَّمَ عشٌّ من الأعشاش ؟؟ أو لربما هيَ تشعرُ بقشعريرَة بارِدَة فَتُعَبِّرُ عن سخطِها وَتَمَلمُلِها من تغيُّرِ المناخ ؟؟ .. لستُ أدري .. لكنَّ شيئا” ما يُربِكُها ويثيرُ غضبَها ويَمنَعُها عن الغناء في جَوقَتِها التي واظبتُ على الإصغاءِ إليها كلَّ صَباح والتي باتَ فُضولي الجَديد يسوقُني إلى اكتشافِ خَباياها بعدَ أن أدمنتُ لسنين على اكتشاف خبايا صوتِ “فيروز” الملائِكِي.
يوقِظُني من شُروديَ هذا طائرٌ من ضِمنِ المجموعة يَنتَقِلُ بِخِفَّة إلى الوسَط لِيُغَرِّدَ أغرودةً عذبَة مِمّا اعتَدتُ سَماعَهُ من قبل .. إنَّهُ يُحاوِلُ أن يكسِرَ جوَّ الوُجوم الذي حَلَّ على السَربِ المِسكين .. لكنَّ صَوتَهُ بَدا ضعيفا” وَسطَ المِزاجِ الغاضِب الذي يُسيطِرُ على الجميع !! .. وَما إن توَسَّطَ الحَلَقة وبات يُكَرِّرُ تغريدَهُ العَذب حَتّى تحلَّقَ الجميع حولَهُ وَاشتَدَّ هِياجَهُم وَصُراخَهُم حَتّى أسكَتوه !! وتابَعوا بِحِدَّة نَشيجَهُم الجَديد وسطَ دَهشتي وَدهشة ذلكَ المِسكين الذي غادَرَ الحلقةَ غيرَ آسِف وَحلقَ بعيدا” .. وَكانَ كُلَّما ابتعدَ يعودُ لِيَلتَفِتَ إليهم وَيَنبِسَ بِبِنتِ تغريدَة بِصوتٍ خَفيضٍ كَسير لِيَمضِيَ في النهاية وَحيدا” ويَبتَلِعَهُ الفَضاء !..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى