أدب وفن

رسائل الى قند-38-/ أسئلة/ بقلم الكاتب علي لفتة سعيد

رسائل الى قند-38-
أسئلة

لا شيء جديد في منذورات القدر ومنظوراته.. ولا شيء في الحلم غير ملامح باتت لا تستوعب الآهات ولا تجعل الأغاني سبيلا للشجن المطلوب.. ربما وحدك أنتِ يا قند من تملكين مفاتيح جعل كل هذا السواد الذي انتقل من القلوب الى الرايات بعد أن انتشر لسنوات على الجدران كتميمة موتٍ موشومٍ بالخوف، غابت عنه لمعة القدر وانتبذ له مكانًا شرقيًا في الروح، لعلّه يؤمن بالقدر ذاته..
لا شيء حتى في لعبة القدر، فالأوراق هي ذاتها والحظ يعيد علينا ذات الأوراق التي خسرناها في لعبة المكوث، وما بين أيدينا سوى جوكر نخاف استخدامه، فلا ينفع بعدها حسرة على ما غاب من الانقاذ وتعود نجتر لعبة النرد على المربعات الستة في كل حقلٍ، لعل الأرقام تبحث عن سابعها المحظوظ، لتعيد لنا ما يعطي الترميم ألقًا للقناديل المبعثرة.
لا شيء يا قند غير الخوف هذه المرة.. صدّقيني ليس الخوف من الموت فتلك لعبة أخرى.. وليس الخوف على الحلم لأنه الوحيد الذي لا سلطان عليه، ولا يمكن للطغاة أن يجرّدونه من ملابسه، كونه في الأصل حلم عار إلّا من بياضٍ لا تتلوه العصافير، حين تكون وحدها تمثّل دور العاشقين. ولكنه الخوف من المجهول الذي يداهمنا مثل أعراسٍ تخنقها البنادق والسبطانات أقلّ من ارتفاع القامات.
لا شيء سوى مجهولٍ يبرز سيفه كلّما تحرّكت الخيول للمعاندة، ومجهولٌ لا يعطي الحق لنا كي نزور من أصابته كورونا بعجلة اختناقها، وجعلت الرئات مثل احتراقات فرن صمّون تتقاذفه قطرات النفط المشتعلة، مثل أزيزٍ لا يتوقّف عن الاختناق بدخانٍ أسودَ مثل رايات المتعّصبين،
فكيف أقول لك هذه المرة تعالي وأنا أسير خوفٍ ومجهولٍ وقلّة حيلةٍ كي أزور أخي الذي أصيب بهذا الفايروس، وكأني صرت مثل دوامة أنهر ٍلا قرار فيها، ولا أحد يعرف الأعماق كي تمكّنه من معرفة طريق العبور، فأنا مجرد من الحروب منذ آخر حرب لم يمت فيها الطغاة.
وكيف أقول لك تعالي لنرمّم الجراح، وليس ثمة جراحٌ هذه المرّة، غير صمت التظاهرات التي تريد وطنًا والوطن انتبذ خوفه هو أيضا من بنادق لا ترحم، تنطلق منها الرصاصات مثل كائناتٍ أسطوريةٍ تحرّكها أصابع آلهة تنتقم من كل صوت..
كيف أقول لك تعالي يا قند وثمة ورمٌ يتدّلى من ضفافٍ جلست تغنّي بشجن الخوف ذاته وهي تغترف على عاتقها ما تيسّر لها من ذنب المكوث..
ولكن لمعاندة القدر أقول لك تعالي
ثمة أسئلةٌ تتناسل مثل حلمٍ لا ينتهي.. أسئلةٌ تسبح بفيضاناتٍ عارمة، فتصطدم مع بعضها مثل موجٍ نفخ فيه ماردٌ وأحاله الى هيجانٍ من الخوف.
يا يا يا قند حتى أسلتنا مخيفة.. ولكننا نبقى نطارد الأجوبة، لعلّها الوحيدة التي تمنحنا قُبلةً تخاتل كل الخوف والمجهول والتيه، وتزيح خجل الكلمات وهي تمرّ على خصلة من شعرك الكستنائي وشامتك المتورّدة الوحيدة التي يعجبني لونها الأسود لأنها لا تنتمي الى الرايات أبدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى