رحيل الشاعر و الإنسان عبد الوهاب لاتينوس
رحل الشاعر السوداني الشاب عبدالوهاب لاتينوس غرقا في البحر المتوسط في طريقه الى ليبيا،و هو شاعر حداثوي امتاز باسلوبه الساحر،و مما يذكر انه تنبأ بموته في اخر نص شعري كتبه..و فيما يلي قراءة للاستاذ احمد يعقوب،كما يسرني نشر قصيدة له في نهاية المادة..و الجدير بالذكر انه خريج جامعة الخرطوم /علوم سياسية و انه فر من بلاده نحو ليبيا بزورق بدائي و غرق مع 35 مهاجرا غير شرعي للوصول الى ليبيا و منها الى اوربا..
الشاعر عبد الوهاب بيراني
(رحيل الشّاعر والإنسان لاتينوس؛كشفت لي الكثير عن جوهر الحياة والفعل الثّقافي في السّودان، فأؤلئك الذين نصّبوا أنفسهم كحُراس أيدولوجيين لما يجب أن يكون عليه( الشّعر ،الرواية …الخ)أؤلئك الذين أتاح لهم إعلام السّلطة أن يكونوا أنبياء كذبة للكلمة؛ لم يكلفوا أنفسهم كتابة كلمات تنعي الرّاحل لاتينوس، عدا القلّة منهم وهم الموشكون على الإنقراض ممّا يجعل إعادة تعريف المُثقّف أمراً مُلزماً. تعرّضت أعمال الراحل الشاعر لاتينوس للسّرقة مرات عديدة ، وفي قصيدة له قال” الآن لا بأس ، فليأتي الموت
لستُ متحسراً على شيء .
فقط أتساءل عن مصير هذا الهراء
الذي أكتبه الآن ،
ماذا سيحل به
بعد أن أتركه وحيداً
يبحث عن مخرج له .”
وأقول أن سرقة مخلاة شاعر ميت ليس بها شئ غير؛ أحلامه وإنطباعاته وثورته ووطنه وقلمه، شاعر واجه الموت بكل بسالة وهزمه، ضارباً موعد مع جنيات البحر؛ هو إثمٌ مبين وخيانة للكلمة وللموت وهو اليقين الوحيد الذي نعرف. لاتينوس؛ خالد أبد الدّهر ونصوصه خالدة، لعنات أسلافنا ستلاحق سارقيه.
أشكر أؤلئك الذين اتصلو وأبدوا مساعدتهم لأن تخرج أعمال الراحل القديس لاتينوس من غياهبها وستخرج أعماله كلها قريباً وما ابتلعه الحوتُ سيكون مهراً للحوريات.
لروح الصديق والإنسان لاتينوس السّكينة والسّلام الأبدي ،سلاما عليه في الخالدين.)
الأستاذ أحمد يعقوب
نص للشاعر السوداني الراحل عبدالوهاب لاتينوس
” أن تموت في عرضِ البحرِ
حيث الموج يصطفق بصخب في رأسكَ
والماء يأرجح جسدكَ
كقارب مثقوب .”
….
فى مقتبل العمر
دون أن تبلغ الثلاثين بعد .
ليس سيئاً أن تغادر باكراً أبداً ،
السيء، أن تموت وحيداً
دون امرأة،
تقول لك : تعال إلىَّ، حضنى يتسع لكَ،
دعني اغسل روحكَ مِن درنِ البؤسِ .
وكان الشاعر قد نشر مؤخرا آخر قصيدة له وجاء فيها:
بثاً ، ستمضي نحو حتفكَ ؛
اليوم ، أو غداً
أو حتى بعد غد ،
لا أحد بوسعه وقف عجلة الخراب
التي تسحلُ جسد الحياة .
عبثاً ، لا شيء ، لا خلاص سيآتي
في اللحظاتِ الأخيرة ،
لينقذَ جثة العالم .
عبثاً ، لا ضوء يومضُ
فيُفزع الليل .
عبثاً ، كل شيء قد احتضر ؛
الوقت ، اللغة ،
الصرخات ، الحُلم ،
الأغنيات ، الحب والموسيقى .
عبثاً ، كل شيء قد تلاشى ،
ولم يتبق ،
غير فراغ يصطخب بعنف ،
غير جثث تدخل في صمت كئيب ،
وغير خراب ينسكبُ سخيًّا