أدب وفن

احلام خاوية/ قصة قصيرة/الشاعرة سنا البنّا

احلام خاوية
قصة قصيرة

كانت تظن ان الحياة تبدأ من كلمة أحبك .. لطالما حلمت أن ترددها من قلبها بصدق أنثى تدرك معالم انسانيتها ورقي أحلامها .. لم تتردد عن منح كل رجل عرفته فرصة التحليق في عوالمها ، ربما يكون هو من تنتظر .. ربما تجد من يفهم معنى ان يكون رجلا في قلبها وفكرها قبل جسدها .
الرجال يتشابهون في لغة الجسد .. في متاهة الأناقة وربطة العنق وتناغم الحذاء ولمعانه مع الحزام .. لم يغب عنها ضرورة العطر كدليل أناقة مضافة .. مع احتمال وضرورة اجادته لشتى أساليب الغزل ايمانا منها بحق الذكورة ان تنفخ في روحها بعض الشغف .
كان الوقت بطيئا رغم تراكم السنوات على سجل قيدها والرجال أكثر من طابور خامس في صفوف النمل .. يتدافعون بلهفة حمقاء لإستثارة نفوذها الأنثوي الساطع ..
لم تركعها آفة ان تستمر وحدها .. تلعب بالرجال كأوراق اعتماد قابلة للإفلاس ، مع كل رجل كانت تدرك أن خيارها أبعد وقلبها يوشك أن يتجمد ..
رهاب الوحدة لم يقنعها أن عليها أن تبتاع لنفسها رجلا أن تختاره من لائحة الولائم المعدة سلفا في سوق العائلات المرموقة حسبا ونسبا ..
يا لهول ما مر عليها رجال تضاحكوا معها كل على الآخر .. أوهموها بالحب أوهمتهم بالقبول والرضى . وبقيت ذاكرتها مخزن اسقاطات تعود اليها كل حين لتزيل عنها تراكم الخيبات .
الوقت معياره الحياة التي قد لا تكون على قيدها . ربما الحياة هي موت حي أو شيء من العدم في مواقيته المتقدمة على الموت .
ألا تعرف الحياة رغباتنا ! تمر هكذا دون ان تمنحنا ما يشبه الضوء في آخر النفق .. أقلها لتسطير موقع دامغ على سبيل الوهم أننا عبرنا هذه الطريق الوعر مع سلة ورد وسط حطامها ..
ربما الحياة أيسر وأجمل مما تراها لكنها مقتنعة أنها كبرت وهي طفلة ونسيت الكثير من اللعب في خزانة روايات شرقية مغلقة . أن عليها ان تسرع في التعرف على مسلك جدتها لتكون مثلها ملثمة بمنديل أبيض يمنعها من تنشق الهواء الطلق .. الغبار لا يخترق الشاش المغلي بصفوة الرماد على حطب الدهر . عليها ان تصمت كي لا يسقط المنديل عن عورتها اللغوية .. قد أضحت تقرأ وتكتب وما كل ما يعرف يقال .
يا لصراع الأجيال كم صرعها وهي تواكب العصر معلقة على ذيل سروال القبيلة .. الكل يتناطح لكسب مودتها فهي وريثة الحسب والنسب والمال القليل الحلال . لن تفلت من مصرعها مع كل خطيب تآمروا عليها ليقنعوها أنه زين الرجال .
العلم لا ينفع ولا حتى الموسيقى ما نفع ان تعزف سيمفونية لموزارت او بتهوفن او ان تقرأ الياذة هوميروس لتنال أرقى المعارف و ارفع الشهادات مصيرها في النهاية العزف على أواني المطبخ وتفقيس بويضاتها في رحم مطاطي يتسع لحيوات أطفال من صلب رجل يخلدون أسمه .
غريبة افكارها تنتابها كما شريط سينمائي كلما ارادت اتخاذ قرار مصيري في حياتها . هي ترفض كل شيء لكن الانتظار لم ينفع لتجد ذلك الفارس الشبيه بآخر رواية قرأتها لبطل اسعد حبيبته حين انتشلها من جحر والدها الصخري على شاكلة قصور الف ليلة وليلة وأسكنها في غيمة لفت بهما العالم وهما يمارسان التحليق في سفوح السماوات السبع .. لا مأكل ولا مشرب فقط اشباع عاطفي عاشا معه الف عام من السعادة .
تلك الليلة غفت باكرا .. وحتى اليوم يقال أنها لازالت .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى