“ابنة التّيه”…بقلم الشاعرة وداد الحبيب/ تونس
“ابنة التّيه”
أنتَ
أيّها البعيدُ القريب
أيّها الصّامت الصّارخ فيَّ
هادئٌ أنت كالصّاعقة
كأنوثتي الثّائرة
ما بالك تُراقص امرأةً لم ترتوِ بعدُ من شغفِ القصيد؟
كلّما رتّبتُ ملامحِي
عُدت لتبعثر أوراقِي وتُلهب الأمانِي.
أنا الجالسةُ منذ الأزلِ على حافةِ الهاوية
أنظر إلى الأفق بعيونٍ حالمة
بنبضِ الأغانِي الخالدة
أبتسمُ للتّفاصيلِ
وأرسمُ على نسماتِ الصّبحِ ألف قصيدةٍ وألف حكاية
أنا قطراتُ النّدى
لم تُلامس بعدُ أوراق الزّهورِ المتغنّجة
أنا القصيد …
لم يُبارح بعدُ ثغرَ الحروفِ المتعانقة
لمَ يحلو لك العبث بشظايا المرايَا الباقية ؟
أراك…
نعم أراك…
هل تدركُ أنّني أراك؟
تُغيّر ثوبك في كلّ لحظة
تُغيّر الأقنعة… ترسم ألف لوحةٍ
بلا لون
بلا رائحة
جميعًا بنفس النظرةِ
بتلك الابتسامةِ الحارقة…
تقتربُ
رويدًا… رويدًا
كثعبانٍ يُغازلُ الفراشَ
كأسدٍ يمشي الهُوينى يراقبُ الغزالَ
ينتظر اللّحظة الحاسمة…
والغزالُ عمري
لحظاتي الحالمة
أفلا تُؤجّل المَلْحَمَة؟
تعال…
اجلس بين أحْضاني
أُروِّضُك كأحلامي
كشغفِ اللّيالِي
أعيدك طفلاً
سأكون لكَ غمامات مثقلة بقطرات الحنانِ
لكن…
علّمْنِي كيف لا أؤجّل بعد اليوم ثورة بُستانِي.
هل تُحبّ الموسيقى مثلي؟
لا تنظر إليَّ هكذا وقد سافرتَ طويلا في كتاب وجداني
هل تحبّ الرّكض بين الأزهارِ؟
سنقطف معا أكاليل الورد
نجعل على كلّ نجمة طوق ياسمين وريحان
طوقا من ولهِ القصيد بألوان الفجر
بقطرات الزّهر
بكلّ التّفاصيل المنسيّة
بشغف القُبل للأيّام الخوالي.
هل تُحبّ المشيَ على شواطئ الذّكريات؟
أراك…
تمشي بجانبي
أنامِلك تداعب خصلات شعري الثّائر على كتفِ الأيّامِ
يُداعب رذاذ الأشواق أقدامنا الحافية
يَهمسُ لنا بأقاصيص عروس البحر
بمغامرات العشّاق
بجنون اللّقاء
بسخط الانتظار
بآهات الصّمت المنكسر على أمواج الاشتياق.
أيّها الموت…
أترحل العتمةُ عنّي لِترتديني كبُرنس عليك؟
سأُغمض الآن عينيّ لأحدّق فيك
أراك كوحشٍ بأجنحة الحمام
وحزن الأبديّة
وصمت الأزل
ترمقني بنظرات تائهة من سراديب الحيرة
ها أنّي أقترب منك بخطًى مُرتعشة
أمدّ يدي نحوك
تنتفض بنصف جناح
تزمجر بلا صوت
تندفع ضاحكا
كطفل رضيع يعانق انعتاقي
فلا أدري إن كنتُ أسكنك أم تسكنني.