أدب وفن

طيارة ورق …بالمحكي

من جعبة الشاعر مكرم غصوب

لما رجعنا علبنان بعد أول تهجير، كان عمري بوقتها شي 6 سنين، عيطلي جدّي وقلّي تعا بدّي أعملّك طيارة ورق وأنا ما كانت عارف شو يعني طيارة ورق.. جاب قصبة شقفها بسكين و بخيط وتلزيقة وشوية ورق.. متل السحر صار في طيارة عطاولة السفرة عند بيت جدي… قلّي خدها وروح جيب بكرة خيطان وطلاع طيرها بالبويدر.. ركضت عالبيت، تحت الخزانة العتيقة، كان في علبة بسكوت مدورة من تنك لونها ازرق، بس فضيت عملتها امّي علبة خياطة.. فيها إبر ودبابيس وكشتبان وبكر خيطان من كلّ الألون.. وكان فيها بيضة خشب لرتي الكلسات.. كان في ناس يستعملوها بعيد القيامة، يغشو ليكسرو ويربحو بيض فيها.. قدّيش كان في ناس تغشّ بيوم قيامة المسيح!! منن يشمعو البيضة ومنن يزفتوها، يعني يقدحوها ويفضوها يرجعو ينقطو فيها شمع او زفت لتقسى وتكسر البيض الحقيقي.. ما بعرف اذا فعلاً كانو شهود على قيامتو قد ما كانو صادقين بتكسير البيض!
لغايتو، خلينا نرجع لموضوعنا، يومتها نقيت بكرة الخيطان السودا لأن حسيت انو الخيط الأسود أقسى خيط وطلعت عالبيودر، التلة براس الفريكة، فوق البيت لطيّر أول طيارة ورق بحياتي… كان في كتير ولاد معن طيارات ورق بس خيطانهم كانت غير… بنيّة وتخينة ولفتها عريضة وفيها متل خشبة تمسكها.. هيدا الشي ما خلاني اتراجع وضليت مصر انو بقدر طير طيارة الورق ببكرة الخياطة تبع امّي.. وكنت كل ما اركض متر ينقطش الخيط.. لخلصت البكرة وطيارتي ما عليت شبر عن الأرض.. بينما كانو البقية طياراتهم مملاية السما وما حدا بالو فيي.. حملت طيارتي ونزلت عالبيت وقررت افرطها لاتعلم كيف عملها جدي.. ومن يومتها صرت اعمل طيارات ورق ودوزنلها ميزانها وميزان دنبها يلّي ما فيك تنقصلو ولا تزدلو شرشوبي لأن الطيارة بتبطل تطير مزبوط… وبهون نهار قررنا انا ورفيقي بالمدرسة الفرنكوفونية يلّي تعلمنا فيها وكنا مجبورين نحكي فرنساوي نعمل طيارة كتير كبيرة “علم فرنسا” تَ قدّ ما تعلى يضلو الناس شايفين علم فرنسا بسمانا نحنا يلّي كنا ندرس تاريخ فرنسا قبل تاريخ لبنان والادب الفرنساوي قبل الأدب العربي ما حدا خبرنا انو فرنسا كانت محتلتنا وقسمتلنا بلادنا وسجنت وقتلت الاحرار فيها وحبستنا بحدود طائفية.. حدود وهمية وصرنا متل النملة يلي بترسملها دويرة حواليها بقلم بتحبس حالها فيها.. ولنعمل الطيارة رحنا اشترينا من المكتبة نيلون ازرق وابيض واحمر وعملنا طيارة كتير كبيرة وما صدقنا كيف طارت وصارت تعلى ونحنا نشد وهي تعلى وصرنا نعطيها خيطان وكل ما الها تشد وتعلّي.. لبلشو الخيطان يجرحولنا ايدينا.. شو بدنا نعمل؟ قررنا نضحي بكتب المدرسة يلي اهلنا بيرجعو يبيعوهن بالمكتبة ككتب مستعملة.. اول ضحية كان كتاب التاريخ نحنا نخزق منو وراق لنمسك خيط الطيارة الفرنساوية والخيط يخزق التاريخ اللي بايدينا… خلص كتاب التاريخ ولحقو كتاب الجغرافيا وكتاب العربي.. هيدي كانت الكتب الرخيصة ولما وصلنا لنستعمل الكتب الفرنساويي الغالية انقطش الخيط ووقعت الطيارة ببيت شباب…
وبعد شي 30 سنة، طلب منّي ملحن صديق اذا بيطلع معي كلام عن قصة تنين بحبو بعض.. في حدا قرر يهاجر عباريس وحدا يضل بالوطن.. فتذكرت قصة هيدي الطيارة وكتبت:
في جسور وفي ناس
ما بيربطها احساس
ممحيي خطوط الايدين
وعيون بتسأل ل َ وين؟
والوين خيط احترق…
سافر وحدك عباريس
بطيارة ورق
انا… وطني انسرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى