أدب وفن

( ما زالت ضائعة بين ال oui و ال Non)…!بقلم الكاتبة مريانا أمين

( ما زالت ضائعة بين ال oui و ال Non)

عندما سافرت إلى فرنسا بعمر العشرين خرجت من بيت نقول فيه (نعم) على كل شيء لأن كلمة (كلا) دليل بُخل حيناً وعدم لياقة وتهذيب أحيانا أخرى، وبما أن أمي وأبي أستاذان في الأدب العربي فكان الأدب واجباً علينا ممارسته قبل تعلّم اللغة العربية وأصولها.
وبعد مرور زمن على ممارسة ال(نعم) في لبنان وال (oui) في فرنسا جاءت زميلتي لتخبرني أن مدير الشركة يريد التكلم معي في مكتبه لأمر ضروري بقوله أن يطلبوا من الفتاة الروسية الشقراء أن تأتي فوراً حيث كان مستاءً ولم يعرفوا لماذا.
وبدأت بالهرولة مسرعة من درج إلى درج خلال صعودي لمكتبه في الطابق الرابع لأن أعصابي لم تتحمل أن آخذ المصعد وكنت أفكر في هذه الدقائق القليلة عن هدفه بإستدعائي!؟
فلماذا يريد أن يكلمني؟
وأنا جيدة جدا في عملي!
وأنا دقيقة في المواعيد!
ولم يَستأ مني أحد حسب علمي!
ولم أذكر أنني إرتكبت خطأ يُوجب على الإدارة إستدعائي بهذا الإستياء!
وأخيرا وصلت وكان قلبي يدق من كثرة القلق والارتباك ووجهي لونه أحمر كالبندورة الجبليّة.
طبعا وبلياقة طلبت من السكرتيرة الدخول فسمعته يقول من هي!؟ الروسية ! أدخليها فورا !
بعد ال (Bonjour) قال لي:” من أي كوكب أنت آتية! وفي أي قرية من قرى روسيا تربيتِ!؟ “
ألا تعرفين أنه يوجد ما يسمى (Non) !!!!؟؟؟؟
أنت تقومين بعملك وعمل زملائك والباقون بدأوا بالإتكال عليك في كل شاردة وواردة؟
هل تعتقدين أن هذا جيد!؟
هل تعتقدين أن هذا يليق بمهنيّتك وحتى بشخصيتك!؟
هذا آخر إنذار لك وسأراقبك وإذا سمعتك تقولين (oui) مرة أخرى فستتحملين العواقب.
وختم قائلا: “Mariana il faut savoir dire non”
أصابني ذهول ما بعده ذهول وأنا أخرج من مكتبه حيث رجعت خطوتين إلى الوراء و قلت له: “هل بإستطاعتي أن أقول أول Non الآن أمامكم!؟ “
فهزّ برأسه وفورا قلت: ” Non أنا لست روسية لكنني لبنانية”.
ولأول مرة يبتسم المدير المشهور بجدّيته و بقساوة ملامحه وقال:” هذا ما صدمني فالروس لا يقولون نعم “

أنا اليوم رجعت إلى لبنان وعند قولي (كلا) لا يتقبلها مني كثيرون ويعتبرونها قاسية وحازمة.
لكنها تريح الانسان من الدوران حول الرفض بحجة الخجل تارة وحجة التهذيب تارة أخرى.
أنا تخلصت من ال oui لكن بلادي ما زالت ضائعة بين ال oui و ال non.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى