أدب وفن

قصيدة الشاعر تيسير حيدر و قراءة للدكتور محمّد محمّد الخطَّابي

الشاعر تيسير حيدر

نَبتاتُ البَنَدورةِ في الحقول .

رائحَتُها نَغمٌ وألحان ،تَحملُ كُلُّ نَبتَةٍ غِيتاراً بَرِّيّاً
تَعْزفُ أزهاراً كَعيونٍ ساحِرةِ الألوان
تَجْذِبني ،أعانقُ فُروعَها ،كَزنودِ الأطفال
تَتَرنَّمُ ،تَرقصُ ،تَغْمرني بعَبيرٍ ،أنتظِرُ الأثْمار
حَبَّاتٌ كَعناقِ القلوب ،تَعصِرُ جَذْباً ،شَراباً يُبَلْسمُ الأشْواقَ إلى النَّكْهةِ المُغْرِقَةِ في الجودة
سِحْرٌ مَذاقُها ،حُلمٌ أن تَقطُفَها ،تُدَغدغُ أنامِلَكَ ،تَعِدُكَ بوَجْبَةِ حُبٍّ لا مَذاقَ يُشْبهُها
هيَ فَرِيْدةُ النَّغمِ ،تُلامِسُ خَلاياكَ ،تُداعِبُها ،تُشْبعُها عشْقاً
تُسارِعُ إلى فَمِكَ ،تُتْقِنُ فَنَّ الإنْتعاشِ في جَوْفِ رَغيفِك ،تَمْلأهُ عَبيراً
لا تَمَلُّ من مُعانَقَةِ شَذاها
كُلَّ يومٍ تَنْتظِرُكَ في الحقولِ المُشْبَعةِ بالنَّدى ،غِذاؤها الشَّوقُ
تَعْبقُ في أنْفكَ ،تُحاوِرُ نَظْرَتكَ
إنْ لَم تَمُدَّ يَدَكَ إلَيها حَبَتْكَ حَبَّاتُها لُغَةَ الجَذْب
تَعْشقُها وتَعودُ كُلَّ يومٍ تَتَمَشَّى على دُروبها المُتْرَعَةِ بعَبيرٍ ،بنَغَمٍ ،بزَهْوٍ ،تَتَبَرَّجُ لَكَ
<<تَبَرُّجَ الأنْثى تَصَدَّتْ للذَّكَر >> !!
الشاعر تيسير حيدر

الدكتور محمّد محمّد الخطَّابي

أكثر من رائع ..سحر الكلمات ..وعذب البيان يمتزجان فى رونقٍ بديع مع فتنة الطبيعة الخلاّبة الغناء ..مَنْ كان يقول أنّ شاعرنا الصّادح الرّقيق، وأديبنا الرّاجح الأنيق الأستاذ تيسير حيدر Tayssir Haidar سيحوّل ترانيمه وغنائياته الرخيمة بنباتات البندورة (الطماطم) وثمارها الفيحاء ليقدّم لنا فى الأخير فى طبقٍ من لجين،وفى باقةٍ من عنبر،ومزهريةٍ من مسك قصيدة مخملية صافية ، نقيّة، شهيّة، جميلة أنيقة ، رشيقة ،تحيّرنا بين متعة قراءتها، وشهوة قضمها ،ورائحة تضوّع شذاها العطر الفوّاح ،وسحر بيانها وحلو نظمها..هذه الإفصاحات الإستكناهية الجوّانية الموفية العميقة حول ثمرات الطبيعة الرائعة تذكّرنا حتماً بما سبق أن قاله ﺍﻟﺤﺎﺟﺐ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺼﺤﻔﻲ الأندلسي ﻓﻲ “ﺴﻔﺮﺟلة ” فقال فيها فى روعة، ورقّة ،وعذوبةٍ، وبهاء، وسناء :
ﻭﻣُﺼﻔﺮّﺓٍ ﺗﺨﺘﺎﻝُ ﻓﻲ ﺛﻮﺏ ﻧﺮﺟﺲٍ / ﻭﺗﻌﺒﻖُ ﻋﻦ ﻣِﺴﻚٍ ﺫﻛﻲِّ ﺍﻟﺘﻨﻔّﺲِ
ﻟﻬﺎ ﺭﻳﺢُ ﻣﺤﺒﻮﺏٍ ﻭﻗﺴﻮﺓ ﻗﻠﺒﻪ / ﻭﻟﻮﻥ ﻣُﺤﺐٍّ ﺣﻠّﺔ ﺍﻟﺴّﻘﻢ ﻣﻜﺘﺴﻲِ
ﻓﺼُﻔﺮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﺮﺗﻲ ﻣُﺴﺘﻌﺎﺭﺓٌ / ﻭﺃﻧﻔﺎﺳُﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺃﻧﻔﺎﺱُ ﻣﺆﻧﺴﻲِ
ﻭﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺛﻮﺏٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺰّﻏﺐِ ﺃﻏﺒرِ / ﻋﻠﻰ ﺟِﺴْﻢٍ ﻣُﺼﻔﺮٍّ ﻣﻦ ﺍﻟﺘِّﺒﺮ ﺃﻣﻠﺲِ
ﻓﻠﻤّﺎ ﺍﺳﺘﺘﻤّﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﻴﺐ ﺷﺒﺎبُها / ﻭﺣﺎﻛﺖ ﻟﻬﺎ ﺍﻷﻭﺭﺍﻕُ ﺃﺛﻮﺍﺏَ ﺳﻨﺪﺱِ
ﻣﺪﺩﺕُ ﻳﺪﻱ ﺑﺎﻟﻠﻄﻒ ﺃﺑﻐﻲ ﺍﺟﺘﻨﺎﺀﻫﺎ / ﻷﺟﻌﻠﻬﺎ ﺭﻳﺤﺎﻧﺘﻲ ﻭﺳﻂ ﻣﺠﻠﺴﻲِ
ﻓﺒﺰﺕ ﻳﺪﻱ ﻏﺼﺒﺎ ﻟﻬﺎ ﺛﻮﺏ ﺟﺴﻤﻬﺎ / ﻭﺃﻋﺮﻳﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻄﻒ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻠﺒﺲ
ﻭﻟﻤﺎ ﺗﻌﺮّﺕ ﻓﻲ ﻳﺪﻱ ﻣﻦ ﺑﺮﻭﺩﻫﺎ / ﻭﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﺇﻻّ ﻓﻲ ﻏﻼﻟﺔ ﻧﺮﺟﺲِ
ﺫﻛﺮﺕُ ﺑﻬﺎ ﻣَﻦْ ﻻ ﺃﺑﻮﺡ ﺑﺬﻛﺮِﻩ / ﻓﺄﺫﺑﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻒِّ ﺣَﺮُّ ﺍﻟﺘﻨﻔّﺲِ… ! الدكتور محمّد محمّد الخطّابي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى