التشابه الثقافي في الأمثال العربية والصينية – الفصل الثالث
بحث للباحث والمفكر البروفيسور تشو ليه سليمان الصيني رئيس جامعة الدراسات الدولية في بكين
حصاد الخبر وكانت “حصاد الحبر ” نشرت الفصلين الأول و الثاني من البحث، واليوم تنشر “حصاد الحبر الفصل الثالث، يتحدث عن الانهماك في العمل والتقشف والتمسك بالموقف الايجابي والواقعي في الحياة .
الانهماك في العمل والتقشف والتمسك بالموقف الايجابي والواقعي في الحياة
ان الانهماك في العمل والتمسك بالموقف الايجابي والواقعي في الحياة من صفات أمتينا. فقد دعت التقاليد العربية والصينية الى الاجتهاد والانهماك في العمل، والمسلم يعلم ان نبي الله داود كان حدادا، وادريس كان خياطا، وذكريا كان نجارا وموسى رعى الغنم، وعمل الصحابة، فكان أبو بكر الصديق تاجر قماش، وسقى عليّ بالدلاء. وكما حض الاسلام على حب العمل والجد فيه، حارب البطالة:” ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.” وعندما أثنى بعض الصحابة على رجل منقطع الى العبادة قال رسول الله:” فمن كان يكفيه علف بعيره وإصلاح طعامه؟” ، قالوا:” كلنا.” فقال:” كلكم خير منه.”
ونعلم نحن الصينيين أن الحياة في العمل. والذي يعتمد على عمله يحيى اذ أن الأخلاق التقليدية الصينية تدعو الى حب العمل والجد فيه والتمسك بالموقف الايجابي الواقعي في الحياة. ففي تاريخ الصين العابر خمسة آلاف سنة أمثلة لا تحصى عن ذلك. فان دا يوى كان ينهمك في اصلاح مجارى الأنهار المكافحة الفيضانات حتى أنه يمر ببيته ثلاث مرات ولم يدخل. وان تسي لو تلميذ كونغفوتشيوس كان يدعو الى الاشتراك في العمل والى الارتضاء بالعمل الشاقّ ويرتضي بذلك.
لا بد للإنسان في الدنيا أن يعمل، إذ أن العمل وسيلة وحيدة لكسب الرزق، والذي لا يجب العمل ولا يحترم العمل لا سعادة له في الدنيا ان حب العمل وحب المهنة من العناصر الانسانية التي يمتاز بها البشر. وفي رأي العرب أن قيمة كل امرئ ما يحسنه وان النجاح ينتظر من يعشق عمله. ان اللغة مرآة للحياة الاجتماعية.
مفاهيم الانهماك في العمل والحض على العمل ومحاربة البطالة والتمسك بالموقف الايجابي الواقعي في الحياة منعكسة انعكاسا واضحا في الأمثال العربية والصينية، فقال العرب:
− اذا كويت فانضج واذا مضغت فادقق.
− أول الأمور بالنجاح المواظبة والالحاح.
− قيمة كل امرئ ما يحسنه
− كذبالة السراج تضىء ما حوله وتحرق نفسه.
− ينتظر النجاح لمن يعشق عمله.
وفي رأى الصينيين أنه على الإنسان أن يحسن عمله بقدر استطاعته مهما كان وان الشرط الرئيسي لانجاز العمل هو التصرف بموقف الجدية وروح المثابرة والصمود فقال الصينيون:
− دقّقْ في العمل بقدر استطاعتك.
− يمكن تجليخ الحديد ابرة بالمثابرة والالحاح.
− اتقان مهنة خير من جمع آلاف من النقود.
− دور القز لا تتوقف عن افراز الحرير الاّ عند نهاية حياتها.
− احرث بجدّ تمتلئ خزانتك.
الجد في العمل يعنى موقف الانسان في العمل، يعنى حب العمل، يعنى بذل الجهود في العمل، يعنى عدم الخوف من الصعوبات فيه، يعنى أن يغنى الانسان ثروات المجتمع وحياة نفسه بيديه وعرق جبينه. أما التقشف فيعني موقف الانسان في رغبات الحياة الشخصية، فهو يطلب من الانسان ان يكبح رغباته في الحياة وان يعتدل في النفقة والصرف وان يتقشف في الحياة وان يوفر المال والممتلكات. ان الجد مرتبط بالتقشف، فالانسان لا يفهم معنى التقشف فهما صحيحا الا اذا جدّ وكلّ في العمل.
فالجدّ والتكشف من الصفات والمتطلبات التي لابد منها في تهذيب النفس والاشراف على الاسرة وادارة الدولة. وبين أبناء الشعبين العربي والصيني أمثال كثيرة عن الجد والتقشف، منها عربية:
− أي المرافق لا تدرك بالمتاعب؟
− باكِرْ تُسْعَدْ.
− العاقل يعتمد على عمله والجاهل يعتمد على أمله.
− عليك من المال ما يعولك ولا تعوله.
− القرش الى القرش ثروة.
− قرشك الأبيض ليومك الأسود.
− ما المقتصد بمفتقر.
− من اتّكل على زاد غيره طال جوعه.
ومنها صينية:
− لا يعرف حلاوة الحياة الا من تذوق مرارتها.
− الذهب الساقط من السماء للمبكر.
− التخيل مائة سنة لا يساوى فلسا.
− لا تطمع فى المال فتُهلكَ.
− قطرة قطرة تعمل غديرا.
− لكل مجتهد نصيبه.
− المتقشف لا ينقصه الأكل واللبس.
− ليس للذهب بذر لكنه تنمو في بيت المتقشف.
ان التمسك بالموقف الايجابي الواقعي في الحياة من الصفات المميزة التي تتجلى بها كلتا الامتين العربية الصينية.
وبالنسبة إلى الأمة العربية فيبد أن السبب في ذلك يرجع إلى البيئة التي يعيش فيها العرب والى الإسلام الذى يعتنعه معظم العرب. ان الجوّ على الجزيرة العربية حار والمطر فيها قليل والأرض معظمها جرداء وقديما كان أهل الجزيرة يعتمدون على الرعى، فيمكثون حيث يوجد الماء والعشب ويهاجرون كثيرا عبر مسافات طويلة للسعى وراء البقاء والحياة. فعليهم أن يتعودوا البيئة الصحراوية الشديدة الحرارة وان يتكيفوا مع الجو المرجى السريع التغير والكثير الكوارث، وعليهم ان يستفيدوا من كل قطعة من المرج وكل قطرة من الماء الذين وجدوهما بتعب ومشقة. فالحياة الواقعية لا تسمح لهم ان يكونوا رومانسيين. اذا وجدوا الماء ولم يشربوا اولم يشربوا بالكفاية فقد يتعرضوا لخطر الموت من العطش بسبب عدم التمكن من الحصول على الماء مرة ثانية في سفرهم التالى. واذا وجدوا حيوانا ولم يصطادوه ، فقد يتعرضوا لخطر الموت من الجوع بسبب عدم استطاعتهم الحصول على المأكل مرة أخرى. لذا رأى العرب ان عصفورا في اليد خير من عشرة على الشجرة ، وبيضة اليوم خير من دجاجة الغد . ان هذه الأفكار الواقعية لا بد ان تؤثر تأثيرا عميقا في حياة العرب الروحية والمادية.
والأمثال العربية سجلت هذه الأفكار ، مثلا:
– بيض اليوم خير من دجاج الغد.
– صفقة بنقد خير من بذرة بن سيئة.
– الطعام الغليظ أفضل جدا من الجوع.
– قليل دائم خير من كثير منقطع.
– مسّ الثرى خير من السراب.
– ان تضيء شمعة خير لك من أن تلوم الظلام.
أما بالنسبة الى الأمة الصينية فيبدو أن السبب في ذلك يرجع الى البيئة التى يعيش فيها الصينيون والى فلسفتهم أيضا فالصين دولة زراعية منذ القديم فالذي لم يزرع لن يحصد والذى لم يجد في عمله يخسر. وهذه هي حقيقة قاسية ومن فلسفة الصينيين أن البحث عن الحقيقة من الواقع ، فيرون أن الزغيف المرسوم لا يمكن أن يسد الجوع ولا يمكن إطفاء النار بالماء من المكان البعيد وأن ربة البيت الماهرة لا تستطيع أن تطبخ وجبة دون أرز.
إن هذه الأفكار الواقعية لا بد أن تؤثر تأثيرا عميقا في حياة الصينيين الروحية والمادية .
والأمثال الصينية سجلت هذه الأفكار أيضا،مثلا:
– انجاز واحد خير من التخيل في عشرة.
– ألف صفر لا يساوى واحد.
– الجائع لا يختار الطعام.
– إن تكسب كل يوم قرشا خير من أن تملك ألف درهم.
– الذى يجلس على الشاطئ متخيلا لن يحصل على لؤلؤة.
– الحديث عن الطعام لا يسد الجوع.
*حقوق النشر و الطبع محفوظة لصالح الباحث و يرخص بالنشر عبر موقع مجلة حصاد الحبر اللبنانية من قبل الباحث ومركز الشرق الأوسط للدراسات والتنمية