أدب وفن

باقة قصائد بقلم العلامة الشيخ حسين أحمد شحادة

1

لا تسأل النهر إلى أين
قف على حافة روحك
واركب الخطر
خواء .. خواء
فانهض بجناحيك من وجوم البصر
وارتكب خطيئة الثورة
على ساق واحدة
وانتظر عند شفير الهاوية
قارئة الحجر
أنا الآن مثلك لا أملك قوت دمي
وكنت مثلك أحلم في الأسوار
ومحو الأمية
وكنت تطاردني الجهات
وكافور الأخشيدي يوثق الحرّية
فارقص عند انقسام المدينة الهائمة
على حبل الظلال
فتهيأ إذا قطعوا الحبال
لرقص الرجال وموت الرجال
حسبك في قاع البؤس
أن تدلّ الرفاق عليك
لا شيء إذا جاءوا بعدك
وقالت عرّافة الليل كل شيء كان عليك
لا رقيب عليك .. لا تخف
من الرقص في حفرة
توسدها القلب
بأغنية لخيمة فوق الرمال
وبنى بيتاً لبلقيس من صخور الجبال
لا تقل كيف … ولماذا
تفجّر بصهيل غيمتك الأخيرة
إنّ الريح توافيك
والقمر في شهرك العربي
لا تسأل وردة الصيف
عن عطرها بحدّ السيف
هذا زمن الأقدام
هذا زمن الرعاع
وسدومات السلام الهمجي
وما دام رأسك في قدميك
لا تخلع نعليك
ادخل برجلك اليمين
إلى وطن تسبح فيه الأقدام
في وحل العقول
وامح بأقدامك ما كتبناه
عن الطريق إلى غد آسن آجن
أنت هنا الطريق
وأنت هنا اللأحد
وعند التقاء رجلك برجلك
لا تقلّد مشية القتيل ومشية الذليل
تشّبه بديك الجن
لتلهمك اللغة كيف تشعل النار
في الأسطورة المظلمة
وكيف الحبّ يقصّ جذور الكلام
ويدّق أنفه
وكيف بأجراس رجليك ترجم الظلام
هل توحشت
وابيضت عيناك من الأسئلة
تصوم تصلي تطوف تسعى تقاتل الزمان
وتقول يا وطني تعبت
تبيع إسمك لمن يشتري وتبيع رأسك
وتفتح أبوابك الموصدة لمن يشاء
عبثاً أتبين وجه النهار
أينما توليت قطعت يداك
إنه الموت
إنه القهر فاضرب بعصاك البحر
ليأخذ الحزن وجه أيوب
أو وجه ملاّح يركض خلف الماء
فهل مسّك الصبر
إذن
” اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب “

🌾

2

كم أنت
ونهرك أجمل
يا سيّد الشام
ناياته أنت أم بردى
وبين الضفتين
لإيلاف نهريك والنيل معاً
يسكن النهر في جسدي
يا له نهر الذهب
كلمّا قيل جفّ فردوس التعب
فاض عن دورة الحزن سرب الحمام
وغنّى للقمر يتلو عليه سيرة الشرق
وتر الأسى على وتر المطر
ويبوح لعينيك
آه يا نهر الحنين إلى طواحين العرب
كم مرة كسر القطيعة بيننا
وكم مرة فتح الجروح على بعضها
كما ينبغي للعاشقين
إذا اقتربوا من مسقط الغمام
وَيَا ما أضأت لهم سجاياك
بسجايا النهر
فتفرقت من قلبه سبعة أنهر
ليرضغ الأشجار والقرى
واستوى
لا يسأل عن أسمائها
ولَم يزل مثل رساّم النجوم
يدل العابرين إذا عبر
/ لا ورد للقوم إذا لم يعرفوا بردى /
من هنا الطريق إلى لغة الحبّ
من هنا الطريق إلى دمشق
نحن أحفادها في خمائل الطهر
ونحن الندى
فاذهب مع الحب ليبرد قلبك
ماذا ترى في الأفق العربي
ذهبت أحلامنا سدى
وليس في غير دمشق
يهدل الحلم على كتفيك ويسهر

🌾

3

غادرتنا أمّنا الأرض
وغامت بإغريق الزحام
قيل لي ستدور
لكنها تركتني وحيداً
في غابة القبور
حنانيك
دمي يابس في الظلام
يراقص الظلام
والمدى ضرير
يا إلهي
كشفتني
كشفت عن سرّي النذور
كلمّا أضأت شمعة لمريم
أطفأتها النار
وألبستني خطايا الحروب
كم هو أسود بخور الموت
وكم هي عمياء
عجلات القطار الأخير
وكم أنا وحدي
حين أفاوض موتي
تحت قاع الليل المغطى
بليل المدينة
لا أسمع نبض قلبها في المساء
لا أشمّ أزهار حضنها في العراء
وما زلت أمسح الخفاء عن الخفاء
بمناديل أمي
بقميص قلبي
وقلبي كسير
سأدخل في عقيق الأسطورة
كي أنام
وأرسم وجهي على حجر
لعلي أومض
لعلي أركض بشراهة الماء إلى حجر كريم
لعلّ خاوية من هناك تعيد ترتيب المتاهة
كلمّا زرعت في التراب شوكتي
جرحتني وردتي الدامية
توغلت بدون حواس
فاحترقت ذاكرتي
طربت وئيداً
طربت قتيلاً
غلبتني الريح الشمالية
ولَم يعد بوسعي عناق الحطام

🌾

4

حدثني أبي عن جدّي عن ألف عام
عن لذّة الجهل المقدس
عن طرب الإنحناء لسلام الهاوية
وعن غنج لصق الرموش
على أعين عمياء في ليلة باردة
قال : قمري تفحّم وانطوى
في معطف مظلم
من خطايا الملوك وخطيئات الرعايا
ما باله نظام التفاهة …
كلمّا أضأت له صفصافتي الملحدة
يزداد هباء ويرسم بالطبشور نهراً
وإسطبلاً لخيولنا المتشرّدة
سدى أدق الباب سدى
لا باب في الباب
ووراء الباب مدن ثكلى
وامرأة تتلو ما تيسرّ من قوافيك
في ضوء دمعتها المسكرة
علام البكاء
نبشت قبر اللغة وقبور من ماتوا على شوكة
ونبشت قبور من ماتوا على وردة
وفتشت عن صوت بلا جدوى
كيف اختفى
فمال عليك مرجان الردى
وهام عليك ملاّح الصدى
كل ما مرّ انمحى
فاقشر الذاكرة هل ترى
غير الركام وحزمة أوهام مبعثرة
لا وقت في الوقت
إنه ظمأ الروح عطش الينابيع للأسئلة
لم أعد أحتمل فصام الحزن والصمت
كأنما تاريخنا الصحراء نازلة
في أمة من رمال
وناي الإنتظار يومض للهوى
نتلظى بعرجون نخلتنا القتيلة
ونستاف من موتنا القديم معنى للحياة
بسنبلة تتمشى بين النار والنار
نراقب تقاليد النواح عراة
فنسقط في الحفرة ذاتها
سقطنا
كيف العصافير تتهم الشجر
والسرو في أعاليه كيف يتهم المطر
ختمنا الزمان من أوله إلى آخره
وانتهى رهان الهبوط
وابتدا في مهبّ الدماء والغناء
رهان الصعود على درج
من عقيق أضلعي المنكسرة
أدقّ على باب السماء
فتسقط من جيوب الليل
هرطقات الضوء وزنبقات هزيلة
أهزّ غصون قلبي
فتسقط من قلبي نجمة متمردة
حزّ في قلبها جمر السؤال
عن نبوءة ثالثة
عن زورق الحبّ يا ميم
وعن صرخة في مضارب المنفى
هل أحد
كم أشتهي أن أرى
في شتول الفجر وجهك
هل أحد آت إليك من جهة الخزامى
هل أحد يسميك
فخذ عني لهف الغياب
ولهف السؤال وانتظر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى