أدب وفن

وثيقة سفر …قصة قصيرة

محمد حسين

وثيقة سفر


جهز أغراضه الشخصية مع بعض قصاصات الورق التي اعتاد أن يكتبها في لحظات الراحة القليلة حيث كان يعمل مهندساً مدنياً وأغلب أوقاته كانت في المشاريع قيد الإنشاء، نظر يميناً و يساراً في غرفته انتابه نوعاً من الذهول أين رواية غسان كنفاني رجال تحت الشمس!
بدأ يبحث عنها في كلّ أرجاء الغرفة كأنّه يبحث عن شيء ثمين.
أين ذهبت!
هي تتحدث عن رحلة عذابي وأنا أتنقل بين الحدود باحثاً عن عمل.
آه تذكرت محمود الشقي استعارها ولم يعيدها لي هو هكذا يعتبر سرقة الكتاب مشروعة.
وضع ياسر كلّ أغراضه في حقيبته التي أصبحت قديمة مع مرور الزمن لكنّه يصرّ على التمسك بها لأنّها تعتبر خزاناً من الذكريات.
نظر إلى ساعته مازال هناك متسع من الوقت على موعد انطلاق الطائرة سأحتسي فنجاناً آخر من القهوة، حضر قهوته فتح نافذته تأمل شقق الجيران مودّعاً، في كل مرة أودّع هذه الأمكنة وأنزف دمعاً متى سأعود وأقيم في وطني؟
غادر شقته نزل على الدرج صادفته الحجة أم أحمد، صباح الخير يا أجمل أمّ في الكون
أمّ أحمد: صباح النور يا ابني إن شاء الله خير إلى أين ذاهب؟
ياسر: لقد حدثت معي مشكلة مع صاحب الشركة التي أعمل بها منذ سنوات وقدم شكوى ضدي وقرروا طردي أنتِ تعلمين أنني أحمل وثيقة سفر..
أم أحمد: يفرجها ربك يا ولدي اقترب عمري من الثمانين عاماً ولم أفهم لماذا يقهر الإنسان العربيّ شقيقه العربيّ ويحترم الأجنبي هل هي عقدة النقص أمام الآخر؟ أم الخوف منه؟(بديش أحكي سياسة يا ابني حتى ما أطلع أشتغل ببرنامج حرب النجوم ويكحشوني أنا مثلك كمان معي وثيقة)
يودّع ياسر أمّ أحمد ويتابع مسيره باتجاه الشارع، يلقي عليه نظرة الوداع ( لي هنا ذكريات عندما كنت أسير ليلاً حدث نفسه )
استقل تكسي أجرة، حاول سائق التكسي أن يفتح حديثاً معه إلا أنّ ياسر كان يغلقه برده المقتضب.
سائق التكسي: يبدو أنك لست من سكان بلدنا
ياسر: أجل لكنني أعتبر كل الأوطان العربية مثل وطني…
وصل إلى المطار صعد إلى سلم الطائرة نظر خلفه مودّعاً أطلق زفرةً طويلةً، لقد أعطيت هذه البلاد الكثير من الجهد والعرق والخبرة لكنها رفضتني.
وضع رأسه على مقعده في الطائرة أغمض عينيه بدت ذاكرته كشريط سينمائي تذكر كل التفاصيل التي واجهته خلال إقامته التي امتدت لقرابة العشر سنوات، صوت كابتن الطائرة أيقظه على جميع المسافرين وضع أحزمة الأمان نحن نستعد للهبوط
هبطت الطائرة في المطار نزل ياسر توجه نحو الكوة المخصصة لختم جوازات السفر.
شرطي المطار: ألا تعلم أن هناك قرار صدر بعدم الدخول إلى البلد لحاملي وثائق السفر
ياسر: ماذا تقول؟ هذه الوثيقة صادرة من بلدكم..
الشرطي: أعلم ذلك لكني أنفذ الأوامر سيتم حجزك في المطار عليك أن تختار أي دولة تريد أن تذهب إليها
ياسر: أنا أريد أن أذهب إلى وطني
الشرطي: هل جننت! وطنك تحت الاحتلال
ياسر: أنا لا أريد أن أبقى هكذا حاملاً حقيبتي أتنقل بين مطارات العالم لقد تعبت…تعبت
الشرطي: ستبقى هنا في المطار شهوراً أو سنوات
ياسر: سأموت هنا أو أذهب إلى وطني رصيف مخيم جنين بالنسبة لي أوسع من كل العواصم.
مرت شهور على وجود ياسر في مطار القاهرة حتى جاءت إشارة لنقله إلى جهة ما، حضرت سيارة سوداء مظلمة صعد إليها انطلقت السيارة بسرعة جنونية كأنّها تريد أن تأكل لسان الشارع
ترجل ياسر منها اقتاده شخص إلى غرفة مظلمة…

*كاتب فلسطيني- دمشق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى