بوصلة القوافي بقلم الشاعر مردوك الشامي

بوصلـــــة القوافـــــي
فلتكــــنْ بيـــــروتُ خاتمــــةَ المطـــــافِ
بعــــد أن ذوّبـــــتُ قلبـــيَ في المنافــــي
مـــذْ أنــا كـُـوّنتُ كــان البحـــــرُ حبــري
واخضرارُ الأرزِ بوصلـــــــةَ القــوافـي
في ســـَـنا بيروتَ أجنحتـي اســــــتقامتْ
واســتعدتُ الروحَ في جمـــرِ الطـــوافِ
وعـــرفــتُ الشــمسَ قاموســـــــاً تعالــى
في فضــاءات التمــــــــــــرّد والتصــافي
كنــتُ قديســــاً بمحــــــــــــرابٍ تهـــاوى
طوطميَّ الفكــر، من نســـــــــلِ الخــرافِ
بــي هــوىً ، لكنْ علـــى خفـــــــرٍ توارى
بي لـــظــــى ، لكن على حــــدَّ الكفــــافِ
أشــــــــعلتْ بيروتُ شـــيطاني فــأعــطـى
كـــــــلَّ إشـــــراق الملائكـــــة اللطــــافِ
فاكتشــفتُ الشّـــــــعر إبليــسٌ جميــــــلٌ
ووجـــــدتُ العقـلَ يكمـــنُ في انحرافـــي
كنـــتُ طفــلاً فـوق ســـطر الشــعر يحبو
في سـَــما بيروتَ أعلنــــــتُ احترافــــــي.
آه يـــا بيـــروتُ جــثــــماني ثقـــــــــيـلٌ
مُشــــــبعٌ بالرمـــلِ، مبحـــــوحُ الهتافِ
في صــحارى التّيــــهِ قد غبـتُ طــويلاُ
كيــفَ تشــفى الــروحُ من عشــرٍ عجافِ
قــد زرعــــتُ القمـح لكــن في بــــــوارٍ
وغــرســتُ النـــــورَ في عقــــم الفيافـــي
وأنا اليـــوم عـــــــــلى بـــابٍ ســـــــرابٍ
والمـــــدى عتــــمٌ ، ويُخجلنــي ارتجافــي
آه يا بيــــروتُ هــــل ما زلــــــتِ بيــــتي
أم دخـــلــــتِ اليــــوم في زمــنِ التجافــي
هــــــا أنـــا قــد عــــدتُ، ما زلـتُ عتيقاً
في حــواريكِ الصــــــــدى يتلو انخطافي
كلمــا أمعنتُ في الخطـــو قليـــــــــــــلاً
تـُعشــــــبُ الأرضُ، وتخضــرُّ المـــرافي
غيـــرَ أنَّ الـــوهـمَ يأكلُ في يقينـــــــــــي
والمــدى مـــلــحٌ ، ويقلقنـــي اعتكافــــــي
لــم أزل طفــــلاً وإنْ شــَعري خريـــــفٌ
وحــفيـــفُ الـــروحِ يســــألني انصرافــي
كـــلُّ هذي الأرضِ بيتي أو ضريحـــي
كلُّ هذا الحــــبّ يرشـــــحُ من سـُـلافــي
قامتي والــــريــحُ تــوأمةٌ ومـــــــــــــدٌّ
أيّ جـــــزرٍ وأنـــا حشــــدُ ائتــــــــلافِ
لــي هـــنـــا تاريخُ محبــــرةٍ وقلـــــــبٍ
متــرعٍ بالعشـــــقِ ، والحـُــورِ الـرهــافِ
لــي هنـــا وعـــــدٌ وخــــلاّنٌ وأهــــــــلٌ
وحبيبـــــاتٌ ، دأبنَ على اختطافــــــــــي
لــي شـــتولُ العشـــقِ ، زيتـــونٌ وتيـــنٌ
زعتــــرُ الضحــــكِ ، وأرغفـــةُ العـوافـي
لــي صباحاتٌ تـرامـتْ في ضلوعـــــــي
ومســاءاتٌ علـــــى صـــدرِ العفـــــــــافِ
لــي ســُـــطوعُ الحبــــرِ أرّقنـــي طويــلاً
واشـــتعالُ الصبـــرِ، رقرقــــةُ الضفــافِ
موســقتْ بيروتُ أنفاســـي فصــــــارتْ
نبضتــــي الناياتِ ، وارتعشــــتْ شـِـغافي
بات جمــرُ الشّـــعر يســـكنني فأحيــــــا
كي يكــــونَ الشّـــعرُ مثـــلَ اللــهِ صافي
آهِ يا بيـــــروتُ أشـــــــــواقي احتـــــــدامٌ
هـــلْ تأخــــرنا على فصــــلِ القـــــطافِ
وجهتـــي في الخطــو نورســة تـــــــلاقى
في جناحيهـــــــا التودّد والتجـــــافــــــــي
بعــضُ مجـــروحٍ أنا يرجــــــوكِ بـــرءاً
فيـــــــــــكِ أرزُ الربِّ قدســــيٌّ وشـــافي
فامنحي روحي الأمانَ، حشيـــــشُ قـلبــــي
يابــــــسٌ كالعمرِ، وابتدئـــي اكتشـــــــافي.
*قصيدة كتبها الشاعر مردوك الشامي بعد عودته إلى بيروت بعد غياب دام عشر سنوات