أدب وفنمقالات واقوال مترجمة

في الذّكرىَ المائوية ” لمعركة أنوال المجيدة” 1921- 2021 الحلقة السّادسة – من – رواية-تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون¨-

في الذّكرىَ المائوية ” لمعركة أنوال المجيدة” 1921- 2021
الحلقة السّادسة – من – رواية-تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون¨-
( سيرة بطل مُجَاهِد شَهيد معركة “أنوال” الماجدة)


بقلم د. محمّد محمّد خطّابي


” .. البندقية الثقيلة التي اشترتها الأمّ ” ميمونة أزرقان” لولدها (مُوح) بدتْ له في البداية وكأنّها لعبة ، ولكنّ يا لها من لعبة، إذ لم يسبق له أن أمسك بيديْه بندقية حقيقية قطّ في حياته من قبل بهذا الحجم ، إنه كان يرى أباه ومعظم الرّجال في قريته، وفي القرى المجاورة في الأسواق العامة ، و فى الطرقات ،وفى المناسبات الإحتفالية ، والتجمّعات القبيلة، أو وهم يمتطون صهوات جيادهم المسوّمة، وهم يتباروْن في فنون الفروسيّة في سَهلٍ فسيح غيرِ بعيدٍ عن شاطئ “الصّفيحة” يُسمّىَ ” مَلْعَب” الذي سُمّي كذلك لأنّ رجالات القرية وفرسانها كانوا ( يلعبون) فيه بخيولهم للتدريب على ركوب الخيل وتزجية الوقت ، هكذا رآهم في مرّاتٍ عديدة وهم يمتشقون بنادقهم على أكتافهم في إباء وخيلاء ، ولم يتخيّل أبداً أنّه سيأتي يوم وهو لمّا يزلْ في مُقتبل حياته، وشرخ شبابه ويُمسك واحداً من هذا السّلاح الثمين،والخطير،والمأثور في بلاد الرّيف بين يديْه وهو دون العشرين ربيعاً من عُمُره .
إنطلق الفتىَ هذه المرّة دون أن ترافقه أمُّه يَحثّ الخُطىَ مُهرولاً ،فرحاً ،جذلاً في الفضاء الواسع ،وهو يحمل بندقيته علي كتفه الأيمن التي كانت تكاد أن تلامس الأرض لطولها ، ثم دلف داخل الغابة الموغلة حيث تكثر الأشجار الكثيفة المحيطة بمنزله الذي كان منعزلاً عن الدور الطوبية الأخرى المتناثرة في قريته التي كانت تتراءىَ له كلّ يوم من بعيد هنا وهنالك .
عندما إبتعد عن منزله، وعن نباتات الصبّارالرفيعة ذات اللّون الأصفر الفاقع الجميل التي تشرئبّ بجِذعها الطويل الممشوق في الفضاء الواسع اللاّنهائي ، وعندما أصبح نائياً عن أحراش ومجاذيف شُجيرات التيّن الشوكي السميكة ، وأشجار التين والزيتون الباسقة، وعن `جذوع أدواح الخرّوب الضّخمة العتيقة العالية التي كانت تحيط به من كلّ جانب، أراد أن يتدرّب على بندقيته كما أوصته وعلّمته أمّه ، فعبّأها بالطريقة التى شرحتها له عندما صعد معها إلى مُرتفع ” دهار أمقران”، ثم صوّبها نحو ثمرة من ثمرات التّين الشّوكي المتشابكة مع أشجار الصبّار المنتشرة فى كلّ مكان،والتي كانت تبعد مسافة حوالي مئتي متر عنه، سدّد نحوها فوهة البندقية ثمّ ضغط على الزّناد بثبات ،عندئذٍ سُمعت طلقة مدويّة قويّة إرتدّ رجعُ صداها بين جنبات،ووهاد الوادى الأصمّ الذي يطلق عليه الأهالي (صارُو أضَهْشُور) أو “الوادي الأطرش” الذي ينطلق من مُرتفعات، أعالى جبل ” تقيشّة ” الشّامخ الذي يوجد فى قلب قريته “أجدير” ، والذي يشقّ طريقه وسط سفوح التلال و ومنعطفات الأخاديد والوهاد فى المُنحدرات المؤديّة إلى ساحل البحرالواقع بين شاطئيْ “الصّفيحة” و” الطايث”.
على إثر الطلقة النارية المدويّة التي أطلقها الفتى ارتدّ متعثّراً إلى الخلف وكاد أن يسقط على الأعشاب الخضراء التي كانت تتطاير حوله الحشائش اليابسة من جرّاء هُبوب الريّاح في هذه الأكمة العالية المُرتفعة بمئات الأمتار عن منسوب مستوى سطح البحر .
كانت هناك جهات أخرى ذات تضاريس وعرة تملأها نتوءات صخرية مُدبّبة ، في حين كانت تقابلها من بعيد سهولٌ ومراعٍ طبيعية خصبة واسعة ، كانت تبدو له كزرابي مبثوثة على المُرُوج الخضراء من كلّ نوع ، كانت البندقية ملقاة أمامه على الأرض، والدّخان الخفيف ما زال يتصاعد من فوهة جعبتها، ثمّ سرعان ما طفق يتلاشى، ويقلّ تدريجيّاً، وبدأ يختفي في الفضاء رويداً رويداً.
على إثر الطلقة النارية التي صوّبها بدقّة متناهية نحو ثمرة الصبّار تطايرت حوله، وتبعثرت أوراق أشجار التّين الشوكيّ السّميكة في كلّ مكان، وإنطلق طائراً على إثرها على حين غِرّة سربٌ من الحَمَام البرّي مذعوراً كان متخفيّاً بين الحشائش،وبين شُجيرات النباتات الشُّوكية الكثيفة الملتفّة والمتداخلة فيما بينها ،وانتشر السّربُ مُحلّقاً فى ذُعرٍ وفزَع فى مختلف الإتّجاهات وهو يشكّل مُنعرجات خلال طيرانه في الفضاء الفسيح المترامي الأطراف . (يتبع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى