أدب وفن

الياسمين والجوري والنرجس والمخيم

الياسمين والجوري والنرجس والمخيم

إرتبطت الزراعة في فلسطين بالهوية والثقافة والتراث والحياة الإجتماعية وبالإضافة لزراعة الزيتون التي تكتسب أهمية كبيرة للهوية الفلسطينية والسوق المحلية والرفاه الإجتماعي والنفسي أهتم الفلسطينيون ومنذ ما قبل النكبة بعقود طويلة بزراعة الزهور وخاصةً الياسمين والجوري والنرجس ويقول عاشق من جيل النكبة إن السبب يعود إلى إنتقال عدوى إهداء الورود من حبيب إلى حبيبته التي كانت منتشرة في المدن إلى كافة البلدات والقرى الفلسطينية ولهذا إمتلئت الشبابيك والشرفات والأسطح وحدائق البيوت وروداً تضفي مسحة جمالية وتعطي حصاداً وفيراً للحبيبة والحبيب.

وأما في المخيمات الفلسطينية التي نشأت بسبب نكبة العام 1948 حيث يقاوم أبناءها القهر المتراكم والمأساة المستمرة وسط موسيقى الأنين وشظايا الذاكرة المفتوحة على الكثير من الحزن والحب والورد محولين المخيم من مكان إلى حكاية وقضية ومساحة إنتظار وأمل يزرعون فيها الورود كتعويض عما هم محرومين منه فرحين بما يحمله هذا التعويض من جماليات بمواجهة واقع البؤس والحرمان في المخيم الذي بات يشبه غابة من الأسمنت مكتظة بالناس وفوضى البنى التحتية والفوقية إضافة لقسوة الحياة اليومية وخاصة على صعيد الخدمات ولكن هذه الفوضى والقسوة ورغم النقص الحاد في الكهرباء والماء وكثرة الرطوبة وإهتراء المنازل وضيق الأزقة التي لا يدخلها إلا بعض الضوء والهواء فإن الورد والحب ما زال ينمو في المخيم الذي يحتضن الكثير من قصص الحب التي نعرف القليل منها لأسباب متعددة ولكننا نسمع عندما نسير في أزقة المخيم وبشكل يومي وبعيداً عن الأغاني الثورية بالمناسبات أغنيات مثل “لو سألوك” لوردة الجزائرية و “دارت الأيام” لأم كلثوم و “سلملي عليه” لفيروز و “هي عاملة إيه دي الوقت” لعمرو دياب ومع وجود مواقع التواصل الإجتماعي إبتعد الكثير من الشباب عن زراعة الياسمين والجوري والنرجس واستعاضوا عن ذلك بإرسال وردة أو قلب أحمر كتحية الصباح والمساء للحبيبة عبر الواتساب أو الفايسبوك لتكون الحكاية وذكرياتها على الواقع الإفتراضي أقل رومانسية وواقعية من رائحة الورد التي تفوح بحبٍ كبير تتوارثه الأجيال رغم بعد المسافات وفي مواسم الحب القادمة سينتقل الياسمين والجوري والنرجس من شبابيك المخيم وخيال العاشقين ومواقع التواصل إلى أرض الحبيبة والوطن وحدائق الحب والحنين وما قبل ذلك سيبقى في المخيم حبٌ كثير وورد أقل.

حمزة البشتاوي

كاتب وإعلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى