أدب وفن

في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021الحلقة –الثانية عشرة – من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”

في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021الحلقة –الثانية عشرة – من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)

الدكتور محمد محمد خطابي


” .. وضعت الأمّ الرّؤوم يدَها اليمنىَ على رأس ابنها، البِكر، وقرأت الفاتحة بصوتٍ خفيض تبرّكاً ، رضيتْ عنه، ودعتْ له بالأدعية الصّالحة، وتوسّلت من لله أن يحفظه، ويشمله برعايته ، ثم ّ انصرف راكباً دابّته، وبدأ ينأىَ عن بيته رويداً رويداً، ظلّت أمّه وأختاه (فظمة ومنوش) ينظرنَ إليه، ولم تتوقّف الأمّ عن التمتمة داعيةً له بالسّلامة والصّلاح .
كان(مُوح) يترنّح، ويتأرجح ويتهادىَ ويهتزّ بدون انقطاع ، تارةً إلى الأمام، وطوراً إلى الخلف على وقع نزول حوافر الدابّة على الأرض ،ثمّ سرعان ما غاب عن الأنظار وسط آجَامٍ كثيفة ،وغاباتٍ مُوغلة ،وأشجارٍعاليةٍ متداخلة، ومنعرجات حجرية صعبة ،ومُنحدراتٍ مُدبّبة وَعرة تفضي في آخرها إلى الطريق الرئيسيّ المتّجه إلى سُوق السّبت بقرية إمزورن الذي يُعتبر من أكبر الأسواق الأسبوعيّة التي تُقام في المنطقة، وهو لا يبعد عن قريته أجدير سوى حوالي سبع كيلومترات .
عندما كان (مُوح) في طريقه إلى سوق السّبت مرّ بجانب ” راثناين ان تمغارين” أيّ “سوق الإثنين النّسويّ” الأسبوعي الذي يوجد على يمين الطريق في إتّجاه بلدة إمزورن بالقرب من الضفّة الغربيّة ل “وادي غيس” الذي كان به غَمْر من الماء الآسن لا يتحرّك بعد مرور أشهرٍ عِجافٍ دون أن تمطر السّماء قطرةً واحدة من الماء، ،نظر إلى السّوق النسويّ الذي كان خالياً تماماً، وكان بابه الخشبي الكبير مُغلقاً، وهو مُسيّج في شكلً دائريّ يحيط به سورٍ من الطوب الطينيّ الممزوج بالتّبن اليابس .
مرّت بذهنه صورة البندقية التي اشترتها له والدته من هذا السّوق بالذات في الأشهر القليلة الماضية ،وبينما هو يسرح بفكره في ذكريات الأيّام التي كان يقضيها في أعالي الجبال والغابات المُجاورة لبيته وهو يتدرّب على فنون التسديد ،والقنص التي عاشها مع هذه البندقية التي أصبحت أثيرة لديه ، وعزيزة عليه، والتي أمست تربطه بها علاقة حميميّة متينة، وجد نفسه في قرية “بوكيدارن “، مرّ بجوار ضريح الوليّ الصّالح ( سيدي بوعفيف ) وترحّم عليه، كانت بهذه القرية التي توجد في مفترق الطرق، مجموعة من الدّورالمتواضعة المتناثرة هنا وهناك ،وبعض الدكاكين البسيطة، وكان بها مقهىَ من خشب وقصب على يمين الطريق يتوقف فيه المارّة ليرتاحوا قليلاً ، وتستريح معهم دوابّهم .
توقف (مُوح) في هذه المقهى ،ربط دابته في مكان خاصّ لوقوف البّغال، ثم اتّجه الى بئرٍ كانت وراء المقهىَ، واستخرج من الجُبّ دلواً مليئاً بالماء الصّافيّ النقيّ الذي لابدّ أنّ تحته مجرىً مائيّاً غزيراً ينبعُ من جوْف الأرض ، شرب من الدلو بضع جرعات ثم صبّه في سطل آخر استقدمه معه ، وعاد الى دابته وقدّم لها الماء الذي كانت في مسيس الحاجة اليه بعد مرور حوالي السّاعة من المشي بدون انقطاع ،شربت الدابة الماء حتى شفت غليلها منه ، ثم قدّم لها بعض العلف…

(يتبع) وإلى اللقاء في الحلقة 13 القادمة إن شاء الله .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى