هل من خلاص للوطن رغم ما يعيشه من فجائع متنامية؟!
الدكتور وجيه فانوس
(رئيس ندوة العمل الوطنيّ)
تحصل، حاليًّا، اختلافات سياسيّة حادَّة راهنة، وتباينات مبدئيّة فيها، تتفشّى بعنف وعمق، بين غالبية الفرقاء السّياسين في لبنان؛ خاصّة وأن البلد يعيش راهنًّا، أجواء التّحضير لانتخابات نيّابيّة. وأيًّا يكن مدى احتدام الإصرار، بين أهل السّياسة هؤلاء، على الانتصار السّياسي، على الآخر في ما بينهم، في خضم الأجواء العاصفة لهذه المرحلة من حاضر لبنان المؤسف؛ فإنّ في هذا ما نتج عنه فجائع وطنيّة كبرى ضاغطة، باتت تهدّد بانهيار وطنيّ، شنيع وغير مسبوق على الإطلاق. يؤكّد واقع الحال، أنّ ثمن الدّواء وحليب الأطفال، لم يعد بمتناول الغالبيّة العظمى من الشّعب اللّبناني. وتبيّن الأوضاع المعيشة، كذلك، أنّ كلفة تأمين المحروقات، من وقود سيّارات ومولّدات طاقة لانتاج الكهرباء وتشغيل المصانع والمعامل؛ صارت فوق القدرة الاستهلاكيّة للغالبيّة العظمى من النّاس في لبنان. ويلتحق، بهذا الرّكب المتضخّم، ما يدخل في نطاق تأمين المرضى لأجور الأطبّاء والمستشفيات، وتسديد الأهل للمتوجّب عليهم لأولادهم، من أقساط المدارس والجامعات ورسومها. ومن تحصيل الحاصل، في هذا السّياق، أنّ في هذا جميعه، ما يجعل الوضع المعيشيّ الوطنيّ، يرتع في رحاب فقر مدقع، وينتعش في آفاق بؤس مفزع؛ ويعد، تاليًّا، وبكلّ عزم، بانفجارات اجتماعيّة، قد تطيح بعامّة ما هو أخضر أو حتّى يابس، وكذلك بخاصته؛ في حياة اللّبنانيين. ومن المنطقيّ، الذي لا جدال فيه أو اختلاف عليه، بحكم الواقع الملموس والشّأن الحياتيَ المشهود، أنَ هذا الانفجار سيحصل من دون ما أدنى مراعاة لما قد يكون بين اللّبنانيين جميعًا، من اختلافات سياسّية وتباينات عقائديّة. هي، إذن، وبكل بيان وجلاء، حال طوارئ وطنيّة، تصيب مصالح الوطن برمّتها؛ وليست، أبدًا، حال طوارئ سياسيّة، تراعي مصلحة فريق أو زعيم. إنّ ما يعانيه لبنان اليوم، من تشرذم سياسيّ، وفشل إداريّ، يقودان إلى تفكّك وطنيّ، ما انفكّ يعيق أي انعقاد عاجل وطارئ ومسؤول للحكومة الرّاهنة؛ وفي هذا ما يؤكّد أن الوضع العام قد أضحى في مواجهة الخطر الوطنيّ، الذي لا مناص من نُكوصاتِه المخزية، ولا حتّى من معاناة أوجاعه المذلّة والمفنية، في آن. ولعلّ في كلّ هذا ما يبيّن، لكلّ ذي بصيرة وطنيّة، أن الأمر باتَ أعظم مسؤوليّة من تسمية قاضٍ أو كفّ يده، وبات أقسى إرباكاً من الإبقاء على وزير أو استقالته، وصار أشد فجائعيّة من حُسن العلاقة مع دولة صديقة أو شقيقة. قد لا يكون اللّبنانيّون بحاجة وطنيّة ماسّة اليوم، للمراهنة على إجراء انتخابات نيابيّة، ما انفكّت، حتى اللّحظة، رغم اقتراب متسارعٍ لمواعيد إجرائها، في رحم تكهّنات التّحديد الفعليّ لمواقيتها، وفي غموض مظلم لما يمكن توقّعه من قابليّتها العمليّة على إحداث تغيّرات وطنيّة إيجابيّة في مسارات العيش في لبنان. إنّ في هذا الفشل السّياسيّ العارم، ما يحتّم على الجميع، وانطلاقًا من النّصّ الدّستوريّ، المثبت في مقدّمة الدّستور، والذي يقرّ أنّ “الشّعب مصدر السّلطات”؛ ما يستدعي من اللّبنانيين الوطنيين، سياسيين كانوا أو مواطنين، التّداعي الوطنيّ الفوريّ، الواعي والمسؤول، في ما بينهم؛ إلى إعلان مشترك، لحال طوارئ وطنيّة؛ تشمل البلد من أقصاه إلى أقصاه؛ ويُصار، من خلالها على وضع نقاط التّوافق الوطنيّ، غير السّياسيّ؛ واعتمادها نبراسًا عمليًّا للخلاص الوطنيّ. ولن يكون من نجاح وطنيّ فعليّ لهذا الإعلان المرجو، سوى بريادة، بعيدة عن الأثرة السّياسيّة، من الهيئات النّقابيّة الفاعلة والمؤسّسات الوطنيّة الحيّة والتّجمّعات الشّعبيّة الجامعة؛ وبقيادة ذات رؤية وطنيّة حكيمة، غير سياسيّة على الإطلاق، من أهل الرّؤية الفكريّة وسعة الأفق الوطني الشامل والمستوعب لأبناء الوطن وقضاياهم كافّة.