أدب وفن

قراءة في مجموعة الشاعرة دلال موسى “برواز الضَّوْ” باللغة المحكية للشاعر بسام موسى

قراءة في مجموعة الشاعرة دلال موسى “برواز الضَّوْ” باللغة المحكية للشاعر بسام موسى

تَتَدَفَّقُ نَبعَةً من سِحْرٍ وَدَهشَةٍ فَتَسمَعُ خَريرَ قصائدِها في سواقي الغيمِ . مَطَرُ حَنينِها جَدائلُ شِعْرٍ تَروي الظَمَأَ إلى الجَمالِ، وحينَ تفتَحُ قَصائدُها أجفانَها أو تَرفَعُ مَراياها ستائرَ الغَبَشِ، يَسيلُ لُعابُ إلإبداعِ ليملأَ كُؤوسَ تَشَهِّينا إلى أن نَعُبَّ من مَعِينِها أكثرَ وأكثر .
دلال موسى شاعرةٌ نَفَضَتْ عن لُغَتِها ما عَلِقَ من صَدأ وتقليدٍ ، وَدَلَفَتْ إلى الحَداثَةِ المحكية تستقطِرُ العِطرَ لِتَنثُرَهُ على مَعاطِفنا المَجازيةِ ورَبطاتِ العُنُقِ اللّغويةِ التي نَشنُقُ بها ما نكتُبُهُ من قُصاصاتٍ شِعريةٍ لندَّعيَ نَسَبَها . وإذا كان الشعرُ مُغامَرَةً في الهواءِ الطَلْقِ بلا قَيْدٍ في الشكل أو المضمون، فإنّ قصيدتها بما تحملُهُ من تكثيفٍ وإيجازٍ وتناغُمٍ وتَحَرُّرٍ من الوزن وجغرافية المكان وتَحَوّلٍ وَقَلَقٍ، قد فَرَضَتْ نفسها وحَجَزَت لها مقعداً في المَشهَدِ الشعري العربي.
دلال موسى شاعرةٌ ذات لغةٍ مَسكونَةٍ بالتَّشَهي وبفعلِ البَوْحِ . ندخُلُ إلى عمارَتِها اللُّغويةِ، نتسلّلُ تحت جِلْدِ نصوصِها فنراها تحفُرُ عميقاَ في الخَيالِ وتَتَّخِذُ لها طقساً خاصاً في الكتابة لتجعلَ قصيدَتَها إبحاراً ماتِعاً وَسَفَراً على صهوة الريح وَحدود الضّوءِ. تأخذنا إلى شاهق المعنى لنجدَ أنفسَنا في مَهبّ الشِّعر، نَلهَثُ خلف اشتعالات الوَعي وَتَراكُمِ الصُّورِ المُسَوَّرَةِ بالحب والغربة والتساؤل المُفضي إلى الإنسانية الموعودة . وقد رَسَمَتْ زِيْحاً لِعِطرِ الوَرْدِ وفَتَحَتْ شَبابيكَ الريحِ ، لَوَّنَتْ صوراً على أكتاف المِخَدّة وسَنَدَت أكتاف الشِّعر .
تقول في قصيدتها “عُكّاز” :
رَحْ اسنُدْ كتاف الشِّعرْ/ رَح صير عُكّازو/ورح كون عا طول الدهر/لمعات إنجازو/…
وفي قصيدة “برواز” :
قللي الحكي ممتَازْ/بيشبه غيتارْ وجازْ/وفيه الصور حلوينْ/صَوتَكْ نارنجْ وتينْ/وقلبي أنا البروازْ /…..
وفي صُوَرِها السينمائية موسيقى تتسَرَّبُ من الألوان الصامتة أحياناً لدرجة نشعر وأن القصيدةَ ، رقم قِصَرِها، مسرحٌ لغناءٍ أوبراليِّ وأن الإيقاعاتِ خَرَجتْ من آلالاتها لتحلِّقَ في فضاءٍ شعريّ لا مثيلَ له.
قصائدُها تنضَحُ بعالمها العاطفيِّ وترسمُ مَشهدياتٍ من بَوحٍ يشدُّنا إلى أنوثةٍ جَريئةٍ وطافحةٍ بالدفءِ والوعي محاوِلَةً إيجادَ توازنٍ بين روحها والعالم الذي يسكنها. إنها ممتلئةٌ إحساساً بالآخر الراقي وفي داخلها نزفٌ إنسانيٌ موجعٌ فلا أساسَ في هذا الكون إلا الإنسان. تقول في قصيدتها ” إنسان” :
بالشعر ما في مملكه وسُلطانْ/وما في أميره متوَّجه/بتاج الإنسْ والجانْ/الشِّعر مملكة السما/وحبر السما إنسانْ /…..
. وإذ انفَرَدَتْ بِخَلطَةٍ تصويرية قائمة على التداخل والتوالد بتناسق وتدرج لافتَيْن، فإن الفكرةَ تَتَمَرجَحُ على حبال اللون والصوت حتى تصيرَ نقطة الشعر أكبرَ من بَحر . تقول في قصيدة ” فكره” :
وتتمرجح الفكره/ما بحس انو هالقَلَمْ/زعلان عالنَطرَه/متل الوَلَد قاعد معي/ولو رُحت بقُلي تَعي/أحلى قصيده بتِنكَتَبْ/هي أَمَلْ بُكرَه/حطّي ع حبات القمح/نُقطة شعر/بتصير أكبر من بَخر/بترجَع أرضْ خَضرا/….
. وحين تشتَدُّ العواصف ُ الداخليةُ وتستَعِرُ نارُ الحنينِ تهرع الشاعرةُ إلى الحب لتكون لغتُها شبكةً تقتنصُ بها جَمْرَ المفردات التي تُدّفئُ روحَها العاشقة. ونصها جديرٌ بأن يُحاوَرَ وَيُستَنطَقَ بما يَكتَنزُهُ من تَرَاكُم ثقافي وجمالي مبهرَيْن. تقول في قصيدتها “انت المَلكْ” :
وبتخايَلَكْ/تاكي على كتفك قَمَرْ/ومزنّر بريح وشَجَرْ/وجايب معك/نَجم الفَلَكْ/ وتقولْ هالعالم إلَكْ/إنتَ المَلَكْ/وقلبي إلَكْ/….
. لغتها المحكية كَ “بَوْساتِ” شِعرِها وكَطيور الحُبّ في أقفاص مفرداتها، خفيفة الوقع، لصيقة بالروح، تسري في دمائنا شُحُناتٍ دافئةً وقوافلَ من ياسمين وعَنبر .
وإذا كان الإيقاعُ سراً من أسرار الموسيقى ويتمظهر في النص كما الروح في الجسد ، فهو الجسر الواصل بين المبدع والمتلقي وناقل أصوات النوارس وصخب البحر وترانيمَ أمواجه إلى القصيدة كمَحارةٍ تحملُ كُلِّياتِ النص وجزئياته، وتتساوق مع البناء لإيصال المعنى بطريقة سلسة، فإن دلال موسى نجحت في اصطياد المفردات الإيقاعية التي تموج بموسيقاها اللفظية (تتمرجح، بحر، النهر، ريح وشجر، غيتار وجاز….). لذا يتواتر الإيقاع عالياً عندما تتدفق موسيقى هذا الحقل المعجمي ليخفت في قصائد أخرى ( الهمس، بخاف، محترفه، خَبَّيْتْ صوتك، الصبر…).
لدلال موسى سِلالٌ من فاكهة الشعر ونخيلٌ انحنت قاماتُهُ لِتَمُرَّ قصائدُها في واحات الخَصب والفَوح. وإذا كانت باكورة أعمالها ” برواز الضو” بهذا الدفق الآسر، فلجَولاتها القادمَةِ مع الريح والمطر دواوين من قوس قُزَح .
🌹 الشاعر بسام موسى 🌹

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى