أدب وفن

الرسالة الضوئيّة وجرح الأنبياء

قراءة د. جوزيف الجميل في قصيدة” انا…بيروت” للشاعرة ميشلين مبارك

الرسالة الضوئيّة وجرح الأنبياء

أنا… بيروت قصيدة للشاعرة ميشلين مبارك. بيروت في عريها والأنين. بيروت في لحنها الحزين.
تبدأ القصيدة بجملة اسمية: مبتدأ وخبر.
المبتدأ ضمير منفصل للمتكلم، يلخص واقع الشاعرة في الظاهر. ولكنه ملتصق عمليّا بالقارئ، في عملية تماهِِ بينه وبين بيروت.
بين أنا الشاعرة وبيروت توازِِ. فالشاعرة مبتدأ خبره المدينة “المبللة بالحزن..الهاربة من عبودية الحب”.
هذه الأنا الخارجة على مرجعيّة الكوجيتو الديكارتي. تقرأ عمق انزياحها، في أرق الموج والجنون.
مع الشاعرة المباركة يصبح الحب عبودية، والفرح استسلامًا لأقدار الوجود التائه بين ترابيته والأثير.
يبدأ عنوان القصيدة، كما الديوان، بأنا تعود إلى الشاعرة، أو إلى القارئ. ويمكن تأويلها أيضا بالأنا البيروتية التي تعلن استقلاليتها، وانفصالها، عن ماجريات الوجود، في ضبابيته والسراب.
الحب قدر، يقول الشاعر النزاري:
وكيف أهرب منه؟ إنه قدري
هل يملك النهر تغييرا لمجراه؟
ولكن القدر البيروتي تنشده الشاعرة المباركة على مستوى الحلم الجريح.
وجرح الحلم معمّد بمعجم العلو والعمق، حيث الماء والهواء، الأفق والأمواج التي تحاكيها الدموع.
وبين العالمين الفضائيّ والمائيّ جسور الماء والهواء، وعبق ألق ضوئيّ الحنين والذكريات.
أسكنك وتسكنني، تقول الشاعرة مبارك. هي تسكن الحرف المعتّق بالألم، والحرف/ القصيدة تؤرقه أحلام مساء الأنبياء.
تعال نحرك الوقت عند بزوغ الدمع.
إنها رسالة الشعر الجرح، على حدّ تعبير الشاعر أبي شبكة. والجرح وحده قادر على تحويل الوقت إلى ساعة تنطق بالحقيقة.
بين دمع القلب والزمن اختلاف وائتلاف. الدمع يروي عطش الشوق، والزمان يجفف نهر المستحيل.
في قصيدة الشاعرة المباركة حركة وسكون. الحركة فياضة بالدمع وصراخ الموج. أما السكون فيرتدي غلالة النجوم، وعري الضوء، وزيزفون الأحلام.
بين الماء والنور يضيع، بل يضوع، ألق المسافة، يتلاشى الحزن، وتنكسر اللحظات الكوكبية السجود.
بيروت الأنا نرجسةُ حقول تنكسر على جدران اللحظات الوردية. وأنا الشاعرة في نرجسيتها المتسامقة حزنا ودمعا، تبحث عن أنا ثالثة لا تأبه بالأحزان أو النيسان.
ميشلين مبارك، أيتها النبية الهاربة من ألف ليلة الحزن الضوئيّ المرصود، لك الطوبى، ولحرفك الفضّي لجين القمر، ومركب من حنين الياسمين.

قصيدة الشاعرة ميشلين مبارك ” أنا… بيروت”


د. جوزاف ياغي الجميل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى