( نقلا عن الوكالة الوطنية للإعلام وموقع ميزان الزمان )
– احتفل “منتدى شاعر الكورة الخضراء الثقافي. “، برعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ممثلا بالشاعر شوقي ساسين، وبحضور جمهور من مختلف المحافظات اللبنانية، من بيروت والجبل والبقاع والشمال والجنوب، وفعاليات ثقافية، وأهل الفكر والإعلام بنشر الآثار الشعرية والنثرية الكاملة لعبدالله شحاده، شاعر الكورة الخضراء (1910-1985)، وذلك على مسرح قصر الأونسكو- بيروت، في تظاهرة ثقافية تكريمية لشاعر “ناضل في سبيل الأرض والإنسان في لبنان وكانت له مواقف جريئة رفع فيها الصوت في وجه العابثين بمصير هذا الوطن”.
قدم الاحتفال الدكتور أحمد نزال، وتحدث فيه: الشاعر محمد علي شمس الدين والناقد الأدبي وجيه فانوس والباحث المؤرخ جبران واكد. وتلى ذلك قراءات من شعر عبد الله شحاده، قدمها الفنان جهاد الأطرش، ثم كلمة الشاعرة ميراي شحاده، رئيسة منتدى عبدالله شحاده الثقافي وابنة المحتفى به، فكلمة ممثل وزير الثقافة ساسين.
د. أحمد نزال:
ورحب نزال بالمنتدين والحضور “لا سيما الوفود الآتية من الكورة بلدة المحتفى به، من طرابلس وفاء للمكرم، فضلا عن وفود من صيدا وصور والبقاع والجبل في هذه المناسبة الاستثنائية، ندوة تكريمية لشاعر الكورة الخضراء الراحل عبدالله شحاده احتفاء بنشر آثاره الشعرية والنثرية الكاملة بصيغة أنيقة وجميلة صادرة عن منتداه الذي تديره بحراك عال ووطنية صادقة كريمته المهندسة ميراي شحاده
ومما قاله د. نزال أيضا عن الشاعر المكرم شحاده: “هناك في الكورة الخضراء يستكمل طقوس الشعر يملأ الجرار حبرا نقيا، يشق التراب بدمه فينتفخ الرغيف عنفوانا شهيا مرويا بخطاه، يحمله إلى السماء قرابين إلى الله، وبنت تحمل العمر على تجاعيد الشفاه، عبدالله شحاده حبر الشعراء هو المتألق بين القصائد ومحاريب الصلاة، كاد الأديب أن يكون ثلثي الدين. يا سيدي، يا سيدي، لماذا تتأنى كثيرا في شعرك يقول: لأني أعمل من أجل الخلود، لأني أعمل كي أغفر للشعراء”.
الشاعر د. محمد علي شمس الدين
بعد ذلك اعتلى المنبر الشاعر الدكتور محمد علي شمس الدين، وألقى كلمة حول نتاج الشاعر شحاده الشعري، لا سيما علاقته باللغة العربية ومما قال:
“لعل الهدف من نشر شعر عبدالله شحاده بعد مضي 35 عاما على وفاته هو انتصار الشعر على النسيان والتذكير بالحياة، فالنسيان جزء من الموت “.
أضاف: “الشاعر لم ينشر إلا القليل من كتاباته الشعرية والنثرية بين دفتي كتب خلال حياته. من قام بهذا العمل هما ابنته السيدة ميراي شحاده والمحققة السيدة ابتسام غنيمة، استنادا إلى جميع ما ترك الرجل من كتب وأوراق وقصائد وخطب في جوارير النسيان، وهي عشرات الدفاتر ومئات الأوراق، هنا أصل إلى المحرك الثاني وراء هذا العمل وهو الشغف. والشغف هو الحب في درجة الغليان، فلولا شغف هاتين السيدتين لما ظهرت إلى الوجود ستة مجلدات بمنتهى التنسيق والتحقيق وجمال الإخراج بطبعتها الأولى العام 2020 عن منتدى شاعر الكورة الخضراء الثقافي. لفت انتباهي من خلال القصائد تعلق عبدالله شحاده بالعربية كلغة للشعر وأساس من أسس الثقافة الوطنية والانتماء القومي. صحيح أنه كان يذكر فينيقيا أحيانا لكنه يتباهى بالعربية ويباهي بها كلغة ثقافة وانتماء”.
وتابع: “نحن أمام شاعر هو امتداد لكلاسيكية عربية متجددة عرفت ذروتها في شعر أحمد شوقي وخليل مطران وحافظ ابراهيم، وهو نفحة لبنانية حقيقية في هذا المعمار الشعري العربي: أمين نخلة، والأخطل الصغير، والشاعر القروي، والياس أبو شبكة، وإيليا أبو ماضي، وصلاح لبكي وسعيد عقل، وكلهم مسيحيون. إنهم حماة اللغة العربية في زمن كان هناك من ينادي باللغة التركية. لعلني لا أبالغ إذا قلت إنني في إحدى قصائده المطولة في عنوان “النشوة الصرعى” وجدت فيه ظلالا للمتنبي. لا شك أن إحياء عبدالله شحاده من خلال نشر تراثه الشعري والنثري هو إحياء للشعر في لبنان وإحياء للغة وإحياء للوطنية الصافية، وهي ما نحن بأمس الحاجة إليها في هذه الأيام”.
د. وجيه فانوس:
ثم اعتلى الدكتور فانوس المنبر وألقى كلمة بعنوان “بين عبد الله شحاده وهذا اللبنان الذي نعيش اليوم ونعايش” ومما جاء فيها:
“عبد الله شحاده، هذا الذي نذر نفسه للدعوة إلى العلم والعمل، متبتلا في ركاب المعرفة البناءة للخير؛ وأوقف وجوده، بذولا، على بث ما يكتنزه هذا الوجود من غمار الثقافة الناهدة إلى مزيد من الوعي، والسامية، دوما، إلى معارج الاجتهاد الطموح إلى الانفتاح على الآخر. إنه الإنسان الذي ما عاش حياته إلا فعل نقاء محبة وعمق صدق إنسانيٍ ؛وما نظر إلى هذه الحياة، إلا ببصيرة عمادها جود معرفي مترف العطاء، وبذل نفيس باسق الجنى؛ وما تصرف فيها، إلا بمشاعر أخاذة بسحر تواصلها مع الحضور الإنساني الأريحي للخير. وهو، أيضا وأيضا، من عاش، بين ناسه، محتفلا،على الدوام،، بتلاقي أيقونات المحبة الإنسانية، في ما بينها، على تعدد صورها، وتنوع ألوانها وتغاير أساليب وضعها وتفاوت بنايات تشكلها. ترى، ألا يقف عبد الله شحاده، بعد كل هذا، ومعه وبه وفيه، مرآة شديدة الصفاء وصادقة الوضوح، باتساع رؤيتها وتمدد أفقها ونقاء جوهرها في الكشف عن حقيقة الحضور اللبناني، عبر تعاقب القرون وتوالي العهود ومن خلال تعدد الأزمنة وتنوعها، فجرا أبديا مشرقا، بشعشعانيات نقاوته الخصيبة وجزالة نفحه السخي لأخوته وأهله وجيرانه وأبناء جلدته وذوي الإنسانية كافة؟”
الباحث جبران واكد:
توجه الباحث جبران واكد إلى عبدالله شحاده قائلا: “إليك شاعر الكورة الخضراء نتوجه ونسألك أن غادر جنانك وانزل بيننا الآن، انزل بيننا شاعرا وطنيا. لا يترك مناسبة إلا وله فيها الباع الطويل كما زملاؤه شعراء القرن العشرين. فها هو يستحضر عيد الاستقلال في قصيدة الغار، يصف فيتمنى ويقف فيتغنى، وليل تشرين والأفكار شاخصة إليه لم يدر أن الدهر دوار فكان عيد والاستقلال بهجته وللجلاء زغاريد وقيثار”…
ومما قال أيضا: “يدعو شحاده إلى وحدة الصف حين يقول: عززوا الأوطان بالتفاني، وحدوا الأديان لأنه لا خير في وطن يكون السيف عند جبانه والمال عند بخيله والرأي عند طريده والعلم عند غريبه والحكم عند دخيله وقد استبد قليله بكثيره ظلما وذل كثيره لقليله.
تلك الوحدة الناتجة عن وحدة الكلمة، وعليه يسأل المحافظة على الكلمة الواحدة لأن انتصار الكلمة في نهاية المطاف، لأنه في الاتحاد قوة، في القوة قدرة، مع القدرة انصهار، في الانصهار تأكيد، في التأكيد عبرة وللغاية اصتبار، في الغاية وحدة، في الوحدة كلمة وللكلمة انتصار.
أما في مجال التعليم فيفخر الشاعر بدور المعلم، كيف لا وهو المعلم الذي وقف الحياة على أجل قضية هي من حياة الكون كل حياته، انه بروميثيوس اليوناني حامل المشعل تتناقله الأجيال فيستمر شعاع المعرفة مضيئا منيرا لا يخبو له ضوء ولا يخمد فيه وميض”…
الفنان جهاد الأطرش
بعد ذلك كانت محطة شعرية، جابت في مجموعة عبدالله شحاده الشعرية ألقى بعضا من قصائدها الفنان جهاد الأطرش.
الشاعرة ميراي شحاده
كلمة من القلب ألقتها الشاعرة ميراي شحاده ضمنتها كل معاني الشكر والتكريم للمنتدين والحضور ومحققة المجموعة الشعرية والنثرية الأديبة ابتسام غنيمة، ووجهت فيها تحية “إلى روح أمي، ملاكي الهنا والهناك، حققت حلما قد أثقلها، كما أثقلتها تربية أربعة أولاد. غادرت باكرا، باكرا جدا، لها ولروحها الطاهرة أهدي هذا العمل، تحية من الأرض إلى السماء”. وتوجهت إلى والدها قائلة:
ستتذكر اليوم الأمجاد أمجادك يا أبي، وتحتفل الأعلام بأعلامك، وتهتف لصداحك المنابر، وتصفق لوقع صدى كلماتك خشباته الوالهات! عتقتك خمرا نديا في أضلعي! عتقتك فكرا مقدسا في هيكلي! عتقتك حبا ينبض حبا، لا حب بعده أرتجي! حملتك بين راحتي ودرت بك مصفقة مهللة في ساحات المجد، في أبواق الشجن، أنفخ باسمك ما سطرت ورصعت من كنوز في قوافيك وكلماتك. وأنا انتظر هذه اللحظة المميزة…ابيض شعري قليلا ووسمت وجنتي تجاعيد خجولة… لم أتعب رغم أنني نزفت كثيرا.. مر علي في غيابه سبعة وثلاثون ربيعا وولد كثير من الأطفال وشاخ أكثر…انكسرت، انتصرت، ابتسمت، وترقرقت في أحلام وردية ودموع من ملح وسكر…
ولم يجف يوما هذا الندى في قارورتي… دغدغتني ذكراك يا أبي… وبقلتي، إليك أعود بالأكثر”.
الشاعر شوقي ساسين :
الكلمة الأخيرة ألقاها الشاعر ساسين باسم الوزير المرتضى الموجود خارج لبنان في مهمة رسمية ومما قال فيها:
“أديب شاعر عقد مع الحرف ميثاقا غليظا فعاش فيه وله تدريسا وكتابة وندوات ومنابر والموفون في عهده إذا عاهدوا الجاعلون كلامهم نعم نعم ولا لا هو منهم، دلت على وفائه للتراث قصائد ذات شطور متقابلة لم يخط قلمه في غيرها من أشكال الحداثة الشعرية ومقارباتها على معاصرته الدانية لها. وشد عرو الأمانة في أنامله تشبث لأساسات البيان العربي لا يحيد عنها البتة في زمن الدعوات بل العمل على التنكر لها. ودل على وفائه للحياة حضور زمنه في قوافيه فمن يستقصي المجموعة الكاملة يجده قد أودع فيها كثيرا من الأحداث الجمعية والفردية التي كابد أو شهد في وطنه وبلدته، إذ لم يكن الشعر عنده ترفا وفسحة هروب من تعب الوجود بل كان الوجود كله من ألف إلى ياء تذوقه وكتبه فرحا وحزنا راحة وتعبا. أكان شاعرا كلاسيكيا أم لا يحضرني هنا قول مارون عبود: ما الشعر؟ هو اتحاد ذات الشاعر بالأشياء ليخرجها من ذاته ومن يظل خارجا عن ذاته لن يلج شعره قلوبنا ومهما قرع فلا نفتح له.
عبدالله شحاده شاعر ذاتي أخذ من كل المذاهب بقسط لكن حروفه لم تكن سوى مرايا ذاته حتى حين كان بها جملة أو تفاريق، يخط أحوال الطبيعة ولواعج الناس وسؤالات التاريخ وقضايا الوطن والفن والمناسبات
والآن ما زال عبدالله شحاده، بعد عقود من وفاته، قيد الحبر. ها هو يتخطر بين أجزاء مجموعته يفتحها صفحة صفحة ويدعو القارئين إليها ليروا فيها ذاته…
ها هو يبحر بين المطابع على غلافات الكتب التي تنشرها ابنته ميراي باسم شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي. بالأمس قالت لي إنها تفرح كثيرا حين ترى اسم أبيها نزيل الكتب المعاصرة وإنها في نشاطها الثقافي تحاول أن تستبقي حضوره على الصورة التي أحب وعاش بمقدار ما تسدي إلى الثقافة والمثقفين من فرح.
هكذا في رفقة الشعر التي تتجدد كل كتاب يصلح أن نقول لها كلنا إنك من أبيك أصيلته العصماء”.
دروع تكريمية
وفي ختام الحفل، قدمت الشاعرة شحادة دروعا تكريمية باسم “منتدى شاعر الكورة الخضراء” إلى ممثل وزير الثقافة ساسين، والمنتدين والفنان الأطرش، كذلك قدم الفنان الكاريكاتوري بلال الحلوة لوحة بورتريه للشاعرة شحاده، ولوحة بورتريه لرئيس رابطة الجامعيين في الشمال غسان حسامي، وانتقل الجميع إلى شرب نخب المناسبة.