أدب وفن

قصة قصيرة بقلم المحامي الأستاذ ماهر العبد لله

قدَرُهُ ان يعمل في العاصمه .. لكنه قرر السكن وعائلته في ضيعته الهادئه ، المتكئه بوداعة على كتف الوادي المحاذي لنهرٍ جميل . عَشِقَ النوم على خرير المياه، والاستيقاظ على تغريد البلابل .
ذات صباح، استيقظ كعادته باكرا، اطمأن على عائلته، قبّلَ وجنات أولاده،عانق زوجته واتجه الى سيارته، وانطلق نحو العاصمة ترافقه الدعوات والصلوات .. كانت السيارة تتهادى على اغاني فيروز، وهو يتهادى معها ، مستمتعا بنعومة الصباح وهدوئه..
كان كل شيء يسير على ما يرام حتى منتصف الطريق الساحلي حيث
تسمرت عيناه لهول ما رأت … كُتَلٌ بشريه تتدحرج من اعلى يمين الطريق ، يتقدمهم رجل ضخم البنيان، ذو لحية كثه، مخضبه ببقايا الحناء من اطرافها حتى خالها بقايا من لهب..!! ااأمَرَ الضخم تابعيه بافتراش الطريق ومنع السير ، وهكذا كان ..تكدست السيارات وتعطلت حركة المرور وحركة الحياة . تسمّرَ سجينا في علبته الحديديه الصغيره ، وسرح به الخيال مستذكرا مرارة حادثة عانى منها وهو طفل ، هاربا مع أهله من الحرب الملعونة، حيث كان عليهم عبور ما يسمى بحاجز الرعب والموت على الطريق الساحلية ….. حينها ، كانت النجاة ضربا من الحظ…
قرر والده المخاطرة ، وعندما وصلوا الى الحاجز المشؤوم ، توقفت السيارة بانتظار دورها في التفتيش والاطلاع على الهويات.. وكان القتل على الهويه سيد الانجازات الوطنيه..!!!! عادت به الذاكره الى سائق السيارة الاماميه ، وكيف أُجْبِرَ على الترجل ، واقتيدَ الى مركز التنظيم أسفل الطريق ، واستذكر صراخ اطفاله وعويل زوجته ، ثم صراخه المسوع من داخل المركز مع بكاءٍ مرٍّ واستغاثةٍ انتهت بصوت رصاصة ساد بعده صمت الموت. واستذكر كيف كاد قلبه أن يخترق صدره من شدة الهلع . الى ان تنفس الصعداء بعدما سُمِح لهم بالمرور ، ..وبينما هو شارد الذهن غارقا في الماضي البعيد ، انتفض مرعوباً لسماعه صوتا خالَهُ صوت رصاصة الماضي الاليم..وعندما استجمع وعيه استدرك ان ما سمعه كان طرقة الجندي على زجاج سيارته قائلا : تابع سيرك لقد فتحنا الطريق .. حينها ارتسمت على ثغره ابتسامة شكرٍ سائلا الجندي بثقة المنتصر، هل ستنتظرني حينما اعود ؟؟ اليوم عيد ميلاد طفلتي ولا اريد ان أتاخر ، ابتسم الجندي ، وضحك هو، واصابته نوبة ضحك موجع وهو ينطلق باقصى سرعةٍ … ادار الراديو لسماع فيروز ، فإذا بوزير حديث التعيين يعلن بزهوة المنتصر استحالة عودة الدولار الى سابق سعره ، اقفل الراديو مكملا طريقه متمتما في سرّه :

وما المال والاهلون الا وديعةٌ
ولا بدّ يوما ان تُرَدَّ الودائعُ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى