البائع / قصة قصيرة/ بقلم الشاعرة دارين حوماني
البائع
إلى الموجوعين على هذه الأرض..
كلبي، لم يُحسن التعامل مع الوجود أبدًا، فهو يحوم حولي باستمرار وعندما ألمسه يهرب مني. ذات مرة طُرق باب البيت الخارجي وعندما سمعني أفتح الباب ركض ودخل بين قدميّ الرجل القادم.
وقف الرجل، الذي تبيّن أنه بائع، يحمل عددًا من المنتجات ويقول إن لمنتجاته فعالية مهمة على الأحاسيس. ثم أردف يقول إنه بإمكاننا أن نختفي فور الشرب من المنتج الأول، ثم نعود إلى مكاننا من جديد. فكرت، هذا ما كنتُ أبحث عنه. فمنذ أن بلغتُ الثالثة عشرة من عمري وأنا أبحث عن طريقة للاختفاء دون ألم، وأحيانًا كنت أبحث عن طريقة لأكون ذكرًا. سألته إذا كان هذا المنتج يؤلم، فأجاب: قطعًا لا.. ثم سألته إذا كان لديه منتج آخر يحوّلني إلى رجل. فأجابني أن لديه أيضًا ما يحوّلني إلى رجل، وقال: لديّ أيضًا ما يجعلك ترى العالم كلهم رجالًا، بمن فيهم النساء، وهذا المنتج مهم جدًا خصوصًا لأصحاب العمل وللقضاة في المحاكم الدينية ولكل من لديه مسؤولية في الدولة.. لكن كلبي الصغير بدأ يقفز على بنطال الرجل ويهزه، وهو يتكلم: لديّ منتج أيضًا للصفح عن الآخرين والعيش بسلام.. فكرتُ طويلًا ما الذي يجب أن أختاره فيما أشاهد الكلب يحاول أن يعضّ الرجل الذي لا يتأثر من عضة الكلب. فقال: أنا الآن مثلًا أخذت من هذا المنتج، هذا المنتج لعدم المبالاة من عضات الآخرين، فعندما يعضّك أحدهم لن تفكر في ذلك مطلقًا، أنظر إلى جسمي.. رفع البائع قميصه لأرى الكثير من العضات على ظهره، ثم تابع: يسهل التعامل مع هذه العضات ببساطة، لا تحزن من شيء، كل شيء سيكون أفضل مع هذا المنتج، الآخرون يعضون دائمًا، هذه هي الحياة، الكثير من الآلام، وحين يعضك أحدهم ستغضب وتقول، لماذا وضعه الله في طريقي، حسنًا ولهذا لديّ منتج آخر، منتج للصفح عن الله، فكل أحزاننا نرميها عليه، نقول إن الله فعل لنا هذا ليعاقبنا على فعلاتنا الصغيرة، أو تسبّب لنا بالألم لأنه يبتلينا لأنه يحبنا، وفي الحالتين نحن نحتاج للصفح عن الإله، فما الذي يجنيه من ذلك؟ وأكمل البائع فيما الكلب الصغير يحاول أن يعضّ البنطال: “ذات ليلة أخذت من هذا المنتج وفورًا شعرت بالسعادة لفكرة أن الله ليس هو الذي سبّب لنا كل هذه الآلام، وأن فعلاتنا الصغيرة ستمر ببراءة ولن يعاقبنا عليها، لا تتخيل أنه عندما لا تفكر في ذلك كم ستشعر أن كل شيء سيكون أفضل. أنا أعلم أن في داخلك رجلين، واحد يريد أن يرتكب خطيئة والآخر لا يستطيع، لكن فكر ما معنى خطيئة وبحق من هذه الخطيئة، فإذا كانت في حق نفسك فلا تبالي بالآخرين، ولا تفكر أن الله سيبحث عن طريقة ليعاقبك لأنك إنسان بحاجة لعقاب دائمًا. الحقيقة أنك ستحتاج أحيانًا لأن تنادي الله لمساعدتك في إصلاح صنبور المياه، أو كي تأتي الكهرباء بعد انقطاع طويل، لكن لا يهم كل الأمور ستسير على ما يُرام، والحياة ستكمل طريقها كما تشاء هي، بغضّ النظر عن هذياناتك. المنتج الأخير الذي معي، هو الأفضل، فهو للحزن الشديد، لا داعي لتتناول أدوية مضادة للاكتئاب لأن المياه مقطوعة في بيتك، أو لأن القمامة تتراكم أمام طريق بيتك، أنا أرى الكآبة في عينيك، عندما تأخذ من هذا المنتج ستبدأ بالنباح، وعندما تبدأ بالنباح سترى أن هذه القمامة التي تتركها دولتك السعيدة أمام بابك هي أشجار، وأن البيت المظلم بلا كهرباء الذي تعيش فيه سيصبح مسرحًا على طريقة مسرح شكسبير فتقع في الحب مجددًا، ولن تعود بحاجة لكل الأدوية المقطوعة ولا حتى للخبز المقطوع، فبعد عواء طويل سيتحول الوجود إلى مسألة عابرة بما فيه سلسلة الانقطاعات التي تعمل دولتك السعيدة على تغذيتها ستصبح هي أيضًا مسألة عابرة، حتى أنه يمكنك أن تؤسّس لدين جديد تسميه “الإنسان”، فنحن بحاجة لنكون قبل كل شيء “إنسان”، قبل كل دين شوّه هذه الإنسانية فينا. ألن تأخذ من أي منتج؟؟”.
كان كلبي قد بدأ ينتف بنطال الرجل وشعرت أني أصبحت رجلًا منذ بدأ هذا البائع يكلمني على أنني رجل، وفي تلك الليلة ولأول مرة نام كلبي في حضني وأنا أعوي على سطح بيتي أمام أشجار عالية تطل على الفراغ..
المصدر : ضفة ثالثة