منتديات

كلمة تأبين الرَّاحلة الطَّاهرة أم طلال حمود في الذكرى السنوية الأولى على رحيلها…

كلمة تأبين الرَّاحلة الطَّاهرة أم طلال حمود في الذكرى السنوية الأولى على رحيلها

بقلم الدكتور طلال حمود
فرنسا في 03/07/ 2022

في الذكرى السنوية الأولى على عروج روح الأم العابدة التي حملت وربّت وعلّمت التحنان والإحسان، والمُسرعة في الخيرات وخدمة الخلق، مظهر الإيمان والتحنان، والعطف النبيل، والحُبّ الصادق، الوالدة الحبيبة الغالية الحاجة زاهية محمود الدّر- أم طلال حمود- رحمها الله تعالى، وأَحسن مثواها، وأَكرم وجهها، وغفر لها جميع ذنوبها وهفواتها، وهي قليلةٌ جدًّا، بإذن الله، بحسب ما عَلِمنا من حُسن سيرتها ومعشرها، وحبّ الناس لها، وكلامهم الدائم عن طيبتها وطهارتها، وإحسانها وعطائها اللَّا محدود…
في هذه الأجواء المؤلمة والحزينة…، تصمُت الكلمات، وتتكلّم المواجع، ولا نقول ما لا يُرضي الله تعالى، ونُجدّد الدعاء لرب السماء، أَن: لبيك، يا ربّ، لبيك.. لك العتبى، يا ربّ، خذ حتى ترضى، ونتلو على مسامع القلب آية التسليم والرضا بالقضاء: (إنا لله وإنا إليه راجعون).. (لا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم)…
هو الموت، لا والد يُبقي ولا والدة ولا ولداً، هكذا الأمر حتى لا يبقى أحدٌ..
نَعم، أيها الأَحبّة، تمضي السنين، ولكن الحنين يتجدّد في كل حين… ، ولا يلبث النعي أن يعود …، فيعود الحزن إِلينا، فتسكُن مرارة الفراق نفوس الفاقدين، وتتراكض حبّات الدمع في مآقي العيون الحزينة، المُستوحشة التي آلمها وأَوجعها فراق الأم، والبُعد القسري عن الوطن..، بالله عليك، يا أماه، أوقدت في الحشا نارًا، إذ عجّلتِ الرحيل: فكُسفت لغيبتك شمس ضُحانا، وهذا قمر الأمسيات عليل؛ في مثلِ مساء هذا الليل فارقت روحك الطاهرة هذه الدنيا الفانية الرخيصة …، تالله، يا أمي، في أجمل العُمرِ ترحلين، لِمَ عجّلت الرحيل ..!! ، قد نعلم، يا والدتي، أنه أضناك الشوق إلى لقاء الله الذي أحببتِ لقاءَه، وأحبَّ لقاءَكِ، ومن اشتاق إِلى حبيب جدّ في السير إليه..، في زمن الشهداء ترحلين، أنت وصلتِ، ونحن ما زلنا نصطلي ألم الفراق، وعذابات العيش، في وطن حوَّله ساسته ساحةً لأبشع الجرائم وأَنكرها، ووكرًا من أَوكار النهب والفساد والمظالم على أَنواعها، وبؤرةً للتنكيل بالفقراء والمحرومين والمظلومين والمستضعفين، ولتركيعهم وتجويعهم وإذلالهم وقهرهم.. وهذا ما دفع الكثيرين منهم لليأس، أو الانتحار، أو الرحيل، بانتظار جلاء الغيوم السوداء…

نعم، أيها الأهل الأحبة، والأصدقاء في كل مكان.. هو قضاء أردى عزيزة، وغيّب حبيبة، فأدمى القلوبَ، واستفزّ المشاعر، وترك الفؤاد بأيدي النائبات مصابًا، وأَسبَلَ العيون، وأَقرحَ الجفون. آهٍ .. آه .. كم عزيزة نأت عنا فأوجعتنا! وكم حبيبة مضت قبلنا فأبكتنا..! يا والدةً، غابت عنا غَداة بانَ القطينُ، فأبكيت العيون، وكانت بكِ تقرُّ العيون..، ولكن صبرًا بالله، يا أحبتي، فالمرءُ في قبضة الأقدار مصرفه للبرء والسقم..، للحياة والموت… صبرًا، وعزاؤنا كبيرٌ كبير، بجرح عليٍّ في محرابه (ع)، بنحر الحسين في غربته (ع)، بكفي العباس (ع) عند الغاضرية، وسبي زينب (ع) في لیل القهر الطويل،… ولا عزاء لنا أوفى من ثقتنا برحمتك، يا ربّ. إن الوالدة الحاجة زاهية أم طلال محمود الدر من ضيوفك قد حُسِبت، وإن من شيم الكرام البرّ بالأضياف… والعزاء الآخر المُعين على الصبر في كل هذه المصيبة، هو ذلك والاحترام والتقدير والمحبَّة التي يكنّها لك كل من عرفَكِ، وعرف أَخلاقكِ وصفاتكِ وشيمكِ الفاضلة.. وهذا ما يُجمعُ عليه، بلا إستثناء، كل من عرفكِ وعاشركِ، وسمع عنكِ من الأقربين والأبعدين…
أَيُّها الأهل والأحبّة والأصدقاء الأعزّاء… أَكتب اليوم لأرثي والدةً عزيزة، حبيبةً، عابدةً، مجاهدةً، صادقةً، حافظةً لدينها، طائعة لربها، مُؤدّيةً لأمانتها، محبةً للخير، ساعية في خدمة الناس… أماه، أيتها المُقتحمة مملكة الموتى على جواد المنية..، تمرّ الأَيام ثقيلة، وما زلنا، يا والدتي، نسكن طيات الأَحزان، نبكي ويبكي معنا كل من عرفك، وعرف فيك تلك الأم الطيبة المُحتسبة التي أطاعت الله، وما قصّرت بواجبها تجاه عائلتها، وتجاه كل من عرفها أَو عرفته… لقد كانت الحاجة أم طلال كثيرة الحب، قليلة المؤونة، خفيفة الظل، ودودة قنوعة، معروفة بخدمتها للناس، وكأنها مِصداقُ قول رسول الله (ص): “إن لله عبادًا في الأرض يمشون في حوائج إخوانهم، هم الآمنون يوم القيامة، وإن الجنّة لتشتاق إليهم”.
نعم، يا أمي، يفتقدك مجلسك بيننا الذي طالما ضمّك والمُحبّين، ورفاق العمر، والحياة…، والعهد لله أن نستلهم روحك وعاطفتك وأخلاقك، وان ننهل من مدرستك الرفيعة، الراقية في كل النواحي والجهات وعلى كل المستويات… فقد كنت راضية صابرة مُحتسبة، صادقة مع ربّك، حتى أَحبّ الله لقاءك، وأحببت لقاءه، فرحلت مطمئنةً، واثقةً من رحمته تعالى، مذَّخرةً ولايتك للنَّبيِّ محمد وآل محمد (ص)، الوارِدِ عنه: “ألا من مات على حبّ آل محمد مات مواليًا، تائبًا، مغفورًا له، مُستكمل الإيمان، وجعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، وكُتب في ملكوت الله شهيدًا”…. لقد روّضت نفسك رياضة المُتقين لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر، فرحة بما آتاها الله من فضله، إنه لا يضيع لدينا أجر المحسنين…

إنني في هذه المناسبة الحزينة، أُكرّر العزاء لكل من عرفها، وكلنا من أهل العزاء… أعزي إخوانها وأخواتها وأقاربها وأصدقاءها، وجميع مُحبّيها… وأهلها فردًا فردًا…
ولا سيما إخوتي وأخواتي المُحتسبين عند الله أمرهم، الصابرين صبر الأبناء الذين ثُكلوا بأمّهم الأغلى، والتي لا يملأ فراغ غيابها عني وعنهم إلَّا الحُزن الطويل… وهل من كلمات تجبر الخاطر، وتلطّف، لتعبر عن فاجعة الدهر، وخسارة العمر، لأبناء أثكلهم المصاب، بفقد فقيدة كانت سبب وجودهم، وأصل النعمة عليهم؟
وللهِ دَرُّ الشَّاعرِ قائِلًا:
يَموتُ أَبٌ، يَموتُ أَخٌ، وعَمُّ
فتَبْكي العَيْنُ حينًا أَوْ تَهِمُّ
ولَكِنْ قَلْبُ قَلْبِ المَرْءِ يَبْكي
وتَبْكي الرُّوحُ حينَ تَموتُ أُمُّ.
أيها الأصدقاء الأعزّاء، اسمحوا لي أن أخص بالتعزية توأم روح والدتي، ونبض قلبها، ورفيق عمرها، ومحطّ آمالها، ومرتقى نفسها…، عنيت به: والدي الشجاع، المُمتحن، الصابر، الحاج أبو طلال، فرفيقة عمره كانت السواد لمقلته، والنور لعينه..، كانت، وبحبّ قلّ نظيره، تسكن عقله وقلبه ووجدانه، وكأن الموت حين أتاك، يا أماه … قد أتاك، يا والدي، ولذلك نحن نفهم جيدًا كل ما أصابك منذ ذلك الرحيل المُفجع!!
ختامًا، الشكر كل الشكر والامتنان، والتَّقدير والعرفان بالجميل للمواسين الأَعزاء، من كل المناطق اللبنانية وفي كل بلاد الإغتراب والمحبّون كُثر يا اماه، وللإخوة والأخوات الذين هوّنوا علينا المصاب بعاطفتهم النبيلة، وكرم تواصلهم، ومواساتهم الصادقة، وذكرها الجميل، وصلواتهم، ودعائهم لها – مع عدم معرفة بعضهم بها، ولكنهم استشعروا طيب أخلاقها ومكارمها، من خلال عدّة مُؤشرات – سائلين الله تعالى أن يعينهم جميعًا على مكاره الدهر، وأن لا يصيبكم بمكروه، نستودعكم العناية الإلهية، وتفضلوا بقبول عظيم التقدير، وخالص الاحترام، ونسألكم الدعاء.
لكم الأَجر، وطول العمر، ولموتانا جميعًا، وللفقيدة الرحمة، وثوابُ قراءة السُّورة المباركة الفاتحة…
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

د. طلال حمود-طبيب قلب وشرايين-مهاجر قسرياً الى فرنسا بسبب ظلم وسياسات الفاسدين في لبنان-منسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ورئيس جمعية ودائعنا حقّنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى