أدب وفن

المرأة والأسرة في الدستور والقوانين الإيرانية

المرأة والأسرة في الدستور والقوانين الإيرانية

عرض سلوى فاضل

الباحثة والأكاديمية اللبنانية دلال عباس تتناول في بحثها الذي بين أيدينا مسألة إجتماعية إيرانية! هذا البحث الذي يقع في 256 صفحة، يتعرّض لكافة الجوانب القانونية والحقوقية التي تخصّ المرأة الإيرانية ما بعد العام 1979، أي ما بعد مرحلة التحوّل الكبير في نظام دولة كبيرة ومؤثرة في المنطقة وذات موقع استراتيجي، والانقلاب من دولة غربيّة بنمط عيشها إلى دولة ونظام إسلامي أصولي بحت، نظام قائم على الدين وعلى استخراج الأحكام المرتبطة بالفرد والأسرة والنظام العام من لدن الرؤية الإسلامية الشيعية للحياة والمجتمع والسلطة والدين.
تفصّل الدكتورة دلال عباس، وهي الأستاذة الجامعية المختصّة باللغة الفارسية في الجامعة اللبنانية، ولها اصدارات عديدة، في كتابها الصادر عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” ضمن “سلسلة الفكر الإيراني المعاصر”، وكتابها هذا الصادر عام 2009، مؤلف من قسمين كبيرين، كلّ قسم موّزع على فصول عدة. تتناول في الأول: “حقوق المرأة في الإسلام بين النص والممارسة” ويضم بين دفتيه: حقوق المرأة في الإسلام بين النص والممارسة، والمرأة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمرأة في خطاب منظرّي الثورة ودور المرأة الإيرانية في النشاطات الإجتماعية والسياسية. كما تبحث عباس في الفصل الرابع في: دور المنظمات والجمعيات النسائية الأهلية والحكومية، والمرأة وحق المشاركة السياسية، والمرأة والتعليم.
أما السابع، وهو الأبرز فتتناول مسألة الحجاب، هذا الموضوع الحيوي والمُثير في جميع مراحل نشوء الحكومة الإسلامية منذ أربعة عقود، إضافة إلى الفصل الثامن الذي تناقش عباس من خلاله موضوعة “المرأة الإيرانية بعيون غير إيرانية”.
وتختتم الدكتورة عباس بحثها بالتفصيل في مسألة التقنين النسوي والأسري في مجلس الشورى الإسلامي، والمرأة في الدستور الإيراني، وتختتم بحثها بـ”المرأة في ميدان العمل ونظرة في المعايير والضوابط الشرعية”.

مسألة مثيرة جداً
رغم أنّ الدين مسألة شخصية في الديانة المسيحية، إلا أنه غير شخصي أبدا في الدين الإسلامي، فهو دين وعقيدة مع مطلوبية التطابق التام بين النية والفعل أو بين الإيمان والإلتزام، حيث يتدخل في أدق تفاصيل عيش الفرد المُسلم، ولا داعي هنا للتفصيل. من هنا يتولّد السؤال: كيف يمكن للحكومات التي تتحدث باسم الإسلام ألاّ تفرض الحجاب على مواطناتها؟ فالاستغراب كلّ الإستغراب هو المواجهات واعمال العنف سواء العسكرية أو الإعلامية المُضادة والمؤيدة لعملية الكر والفر في مبدئية فرض الحجاب. فالنظام العام في أي بلد واجب الاحترام. فالنظام العلماني في دول أوروبا يفرض على الجميع مسلمين ومسيحيين الالتزام بالقانون المدني، فكيف هو الحال في نظام ينطلق من الإسلام كتشريع؟

مهاسا أميني
تأتي عملية إعادة الحديث عن هذا الكتاب، الذي صدر منذ 13 عاما مصادفة مهمة، ليتناغم مع قضية مثيرة جداً اليوم عُرفت باسم قضية “مهاسا أميني” التي ثار الغرب الاوروبي والاميركي والعرب الخليجي معاً، دعما لقضية صبية كردية – إيرانية توفيت داخل مركز تحقيق رسمي. مما يُعيد الكلام وبقوة حول قضية الحجاب التي يرفعها الغرب كشعار للتدّخل في ملفات داخلية لبعض البلاد الإسلامية التي تفرض الحجاب على نسائها.
علما أنّه ثمة قضايا إنسانية أكثر تطلبّا وإلحاحا تفترض بالغرب المناداة بحلول لها والسعي لإثارتها مع الحكومات المشرقية سواء العربية أو الآسيوية، كونها ذات سلطة عليها، إن كان يحق لها التدخل اصلا، خاصّة أن الضحية مهاسا وغيرها يعانين في بلدانهن وليس في بلاد غربية أو غريبة. فهل مسألة المرأة المسلمة هي الحجاب فقط؟ وما سرّ تزامن هذه القراءة مع قضية مهاسا أميني؟ وهل حقنا كنساء مرتبط بالحقوق النسوية أم بحقوق المواطنة اولا وقبل اي شيء آخر؟

تستعرض الباحثة دلال عباس بشكل صحفي مواد هذا الفصل المثير، إذ تناقش المسألة من منطلق إخباري عن وضع المرأة الإيرانية ما قبل وما بعد الثورة، ومن منطلق حقوقي تشريعي، حيث يتم ظلم المرأة في شتى الحالات في اي نظام شرقي سائد. فالتي ترفض الحجاب أو التي تؤيده تجدها مضطرة لقبول إرادة الحكومة والنظام القائم، كما هو الحال في تونس مثلاً خلال عهد الحبيب بورقيبة الذي منع الحجاب في المؤسسات الرسمية مثلا، وفرض قوانينه المخالفة لرغبة غالبية الشعب. والحال هو نفسه في فرنسا التي تفرض نظامها العلماني على النساء المسلمات.

خلاصة القول

تبقى جميع النساء خاضعات بطريقة من الطرق لإرادة وسياسة النظام القائم، لذا لا يكفي أن تتصدى الحكومات الغربية للدفاع عن المرأة بوجه أي نظام مشرقي عربي إسلامي، بل لا بد وأن تتصدى للظلم الواقع على الفلسطينيات والسعوديات واللبنانيات، خاصة أن الإيرانيات ومن خلال النظام الإسلامي قد حصّلّن العديد من الحقوق تحت إطار نظام التشريعات في الجمهورية الإسلامية، والتي تبقى متقدّمة جدا مقارنة بالقوانين الأسرية والاجتماعية والعرفية العربية مثلا. وأبرز هذه التشريعات فيما بتعلق بالأسرة والحضانة وعقد الزواج وقانون التمليك والتوريث ومنح الام الجنسية لاولادها والعمل والتعليم وغيرها الكثير التي لا مجال لتعدادها هنا…
كتاب مهم لأي باحث ليطلع على التشريعات والقوانية التي تحكم هذا البلد، والذي تخصص في قضية أساسية هي قضية المرأة، ويبقى السؤال هل يمكن للمرأة المسلمة أن تستفد من هذه التشريعات الدينية التقدمية، إذا صح التعبير، مقارنة بالتشريعات الإسلامية في معظم الدول الإسلامية، نظرا لارتباط الأحكام الدينية في كافة الدول الإسلامية ارتباطا وثيقا، وبالأخص في لبنان، نظرا للعلاقة الوثيقة بين المحاكم الجعفرية كونها تابعة للمرجعيات الدينية الشيعية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى