لبنان إلى أين سياسياً وأقتصادياً على مشارف العام ٢٠٢٣؟
(الجزء الثاني عشر)
لبنان إلى أين سياسياً وأقتصادياً على مشارف العام ٢٠٢٣؟
(الجزء الثاني عشر)
استاذ العلاقات الدولية الدكتور جمال واكيم: الحصار الأميركي هو احد الأسباب الرئيسية لأزماتنا وسيستمرّ، الأمور الإقليمية ذاهبة نحو الكثير من التعقيدات والأزمة بنيوية في النظام السياسي والإقتصادي ولا نيّة حالية لدى قوى السلطة للذهاب لمؤتمر تأسيسي جديد؟!
حمود:
نستكمل رحلتنا في سبر الآفاق السياسية والإقتصادية عبر إستشراف آراء ورؤى وتقديرات النخب والفعاليات السياسية والاقتصادية والحقوقية والإعلامية والأكاديمية والفكرية والثقافية اللبنانية في هذه المحاولة الحوارية غير المُباشرة التي كنا قد قمنا مع نهاية العام الميلادي السابق وبداية العام ٢٠٢٣، وحيث كنا قد نشرنا حتى اليوم احدى عشر جزءًا من هذه المُداخلات القيمة التي حاولنا من خلالها الوقوف على تقديرات تلك النخب للتطورات السياسية والإقتصادية التي قد تحصل في لبنان في الأيام القادمة. وكما تعلمون كنا قد طلبنا الإجابة على ستة أسئلة تتعلق بالمأزق السياسي والاقتصادي الحالي في لبنان، وكيفية أو إمكانيات أن تقدر القوى السياسية والحزبية والكتل النيابية المُمسكة بالقرار و/او المُؤثّرة حالياً على مجريات الأمور في لبنان أن تستنبط الحلول المنشودة سواءً كان ذلك على مستوى إيجاد مخرج لمأزق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية أو على مستوى خلق بيئة مُؤاتية لحوار داخلي مُنتج وفعّال فيما بينها أو انها ما زالت بحاجة الى وصاية خارجية تضغط عليها وتحثها او تستدعيها كما درجت العادة في لبنان لإجراء حوار خارجي يُنتج الحلول المطلوبة تحت تأثير الضغط الدولي او الإقليمي القادم لا محال تحت عناوين مختلفة منها قد يكون احد اشكالها وتجلياتها الوفود القضائية الأوربية التي ستبدأ بالوصول الى لبنان خلال ايام كما بات معروفاً.
ونكمل إذا مشوارنا مع هذه المداخلة القيّمة للأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية الدكتور جمال واكيم الذي اعطانا بشكلٍ منهجي وتفصيلي رؤيته وقراءته الدقيقة للتطوّرات السياسية والإقتصادية التي يتوقّعها في العام الحالي، وإجاباته على أسئلتنا التي كنا قد طرحناها حول إنتخابات رئاسة الجمهورية، وهل هو إستحقاق من المُمكن لبننته؟ ام هل يجب ان ننتظر كلمة السرّ الخارجية للذهاب الى المجلس النيابي وإسقاط الورقة التي نزل فيها الوحي الأجنبي الذي تعوّدنا عليه؟ هل نحن بحاجة لمؤتمر تأسيسي جديد؟ وهل هو راضٍ عما قامت به الحكومات التي أتت ما بعد الطائف وخلال الأزمة وما بعدها؟ وكيف هو تقييمه لطريقة إدارتها للأمور أو للملفات السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان خلال كل تلك الفترات؟ واخيراً ماذا يتوقّع بالنسبة لإمكانية الحلول للأزمات القائمة؟ وهل هناك إمكانية أو حاجة لعقد مؤتمر تأسيسي جديد؟ وأخيراً، ما هي الآفاق التي يتوقعها للعام القادم ، أكان على المستوى السياسي أو الإقتصادي وعلاقة كل ذلك بالملفات الدولية والإقليمية؟
ولمن لا يعرفون الدكتور جمال واكيم، فهو إبن النائب السابق نجاح واكيم، المعروف بمعارضته الشديدة للطبقة الحاكمة، ووقوفه سداً منيعاً أمام “السياسات الاقتصادية للحريرية السياسية”، وقد دفع ثمناً كبيراً من جرّاء ذلك، وعارض بشدّة كل السياسات المالية والاقتصادية والنقدية التي كانت تقوم بها الحكومات الحريرية في السابق، وهو لا يزال حتى اليوم يتصدّى لكل القضايا الوطنية والقومية المُحقّة ويخرج كلما اقتضت الحاجة بتصريحات لاذعة تنتقد الفساد والفاسدين مهما علا شأنهم ويناصر القضايا العادلة للمضطهدين والمحرومين والمعدمين في لبنان وفي عالمنا العربي وخاصة في فلسطين المحتلة.
والدكتور جمال نجاح واكيم مواليد ١٩٧٢، هو باحث ومُحلًل سياسي وأستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، حاصل على دكتوراه دولة في تاريخ العلاقات الدولية من الجامعة اليسوعية – جامعة القديس يوسف، وماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في بيروت.
وستلاحظون أنه وبحسب تحليل الدكتور واكيم فإنّ الحصار الأميركي على لبنان سوف يستمرّ في المرحلة القادمة، وهذا الحصار هو من أحد الأسباب الأساسية لتردّي الأوضاع في لبنان بحسب تقديراته، وقد كان حصاراً سياسياً وإقتصادياً خبيثاً ساهم بشكلٍ كبير في وصولنا إلى أزماتنا، دون أن ننسى طبعاً بحسب تقديراته دور الطبقة الفاسدة اللعينة التي بحسب رأي الدكتور واكيم كانت متكاملة، متواطئة ومتعاونة فيما بينها، سواء في قوى 8 آذار أو 14 آذار كما يقول، وقد أمعنت في الفساد وفي هدر ثروات لبنان ومقدراته وفي الطعن الخبيث للشعب اللبناني، واوصلتنا إلى هذا الحضيض بفضل سياساتها الفاشلة، وفي النهاية يستبعد أن نصل إلى إتفاق قريب.
واكيم:
فيما يتعلق بالإنتخابات الرئاسية لا أعتقد أنه سيكون هنالك إفراج قريب لأن البعد الإقليمي لم يتضح بعد وهنالك صراع إقليمي لا يزال بارزاً ما بين الأقطاب المعنية بالملف اللبناني، مثل، الولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية، عدا عن أن الأطر المحلية، لا يمكن لها أن تتقارب فيما بينها للإجتماع على مرشح توافقي، ومن دون توافق لن يكون هنالك رئيساً جديداً للجمهورية. لذلك لا أعتقد أن الحل سيكون قريبا” في هذا الإطار .
إن الأزمة التي يعاني منها لبنان، هي أزمة بنيوية تمس بنية النظام السياسي والإقتصادي الذي يقوم عليه البلد، لذلك لا أعتقد أنه سيكون هنالك أي حل قريب ينتج عنه رئيساً توافقياً حتى وإن تمّ انتخابه حلّا” للأزمة. فقط يمكن أن يكون هنالك حلحلة جزئية لبعض الملفات ولكن لن يكون هنالك حلّ للأزمة للأسف.
إن كل الأطراف المشاركة في السلطة أكان ذلك من قوى 14 آذار أو 8 آذار لا تمتلك حالياً رؤية لكيفية الحلّ للأزمة، لذلك فإن الأزمة تتفاقم. إن أقصى ما يعوّلون عليه، هو إنفراجاً سياسياً بين الأطراف الإقليمية يمكن أن يسمح للبنان بأن يستجلب أموال أو مساعدات، وهذا حالياً هو أقصى طموحات الفريقين وبالتالي لا أتوقّع حلّاً قريباً للأزمة الاقتصادية.
فيما يتعلق بالمؤتمر التأسيسي الجديد، لا أعتقد أن أقطاب السلطة الحالية مستعدّين حالياً للذهاب إلى مؤتمر تأسيسي لحلّ الأزمة البنيوية للنظام السياسي والإقتصادي اللبناني، وأقصى ما يمكن أن يوافقوا عليه هو الذهاب لطائف ( ٢) أو لدوحة (٢)، بحيث يمكن أن ينتج عن ذلك تسوية بين الأفرقاء المحليين برعاية دولية، ولكن عندما نتحدّث عن مؤتمر تأسيسي، يجب أن نتحدّث عن إعادة صياغة النظام السياسي اللبناني والنظام الإقتصادي اللبناني، ولا أعتقد أن قوى السلطة هي في صدد القيام بهذا الأمر ، عدا عن أن القوى التي تطرح نفسها بديلاً عن السلطة، هي إما ضعيفة، أو مُفكّكة أو أنها تابعة لبعض قوى السلطة.
وانهى واكيم كلامه بالقول: لا أعتقد أن العام 2023 سيكون عاماً لإنفراج الأزمة، وقد يكون هناك بعض الحلحلة للملفات المحلية إذا حدثت حلحلة جزئية بين الأطراف الإقليمية، ولكن حتى الآن، فإن العام 2023 سيشهد تصعيداً من قبل الولايات المتحدة التي ستحاول إدارة ” بايدن” أن تستفيد من آخر سنة لها في الحكم، قبل بدء الحملات الإنتخابية الرئاسية للتصعيد في وجه خصومها. وحيث أنه ليس هنالك من مشروع لإنتاج حلّ في هذا الإطار أجد أننا نتجه إلى حتمية تفاقم الأوضاع الإقليمية الأمر الذي سينعكس محلياً على وضعنا في لبنان.
د. طلال حمود ـ منسق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ورئيس جمعية ودائعنا حقنا.