حوار مع أديب وقاص…
لقاء مع القاص المميز:
محمد حسين…….
حاوره الشاعر والناقد :
حسين علي الهنداوي
………………………..
في رياض القصة القصيرة ترتع النفس بحثا عن فضاء مشرق واحد يجد المتلقي فيه روحه الباحثة عن معاني الحب والخير والجمال.
وقفة ممتعة مع القاص…..نستعرض فيها رحلة الأدب في القصة القصيرة وتطلعات الأديب القاص لمستقبل أفضل في رسم خريطة طريق لمسيرته القصصية.
س١_ بعد الترحيب باديبنا القاص….نود معرفة بدايات القاص القصصية
ج١ . بدأت كتابة الخاطرة منذ زمن طويل واستمريت بالكتابة ونشرت خواطر عديدة في مجلة المخيم والغد الجديد وفوانيس والبيارق ، منذ خمس سنوات قدم لي صديق لي قاص نصحية بكتابة القصة القصيرة لأن كتاباتي تحمل بين ثناياها عناصر القصة القصيرة خاصة أن الفرق بين الخاطرة والقصة القصيرة ليس شاسعاً..
س٢.. للقصة القصيرة نكهة خاصة مختلفة عن الرواية والمسرحية والشعر ما هي رؤيتك الخاصة لفن القصة القصيرة
ج.. ٢..
القصة القصيرة تعتمد على قوة الفكرة وكثافة والسرد واللغة ولا أبالغ إذا قلت أننا في عصر القصة القصيرة بعد التطور التكنولوجي والتطور الحياتي رغم إدراكي أن الرواية هي أم الأدب ، لكن تطور العصر التكنولوجي جعل الرواية تتراجع عند القراء لما تحتويه من مشاهد تفصيلية أصبحت غالبية الناس تعرض عن قراءتها لطولها، نمط الحياة الحالي يتجه نحو الوجبات السريعة والقصة القصيرة تعتبر من الوجبات السريعة وتحمل في نفس الوقت مضامين كبيرة.
س٣_ انت قاص باحث عن نصوص مميزة تنقل القارئ من الواقع إلى الخيال كيف تختار قصصك القصيرة من بين زحام آلاف الحكايات والقصص؟
ج_ ٣ . انا أميل إلى الأدب الواقعي الذي يحاول نقل الواقع وإعطاء إجابات للمستقبل فالإنسان ابن بيئته والأدب كذلك، لذلك أنا ابن مخيم درعا يعني أنتمي لمكان له خصوصيته مرتبط باللجوء والحنين للوطن، لذلك كانت أغلب كتاباتي تعبر عن المعاناة بمعناها الوطني والإنساني، لذلك كانت مجموعتي القصصية الأولى أجنحة المخيم التي تعبر بشكل عميق عن حياة قاطني مخيم درعا الحالمين بالعودة. في المجموعة الثانية حاولت أن أوسع إطار المواضيع التي أتناولها فأخذت المجموعة الجانب الاجتماعي والعاطفي والوطني والإنساني، هناك ازدحام في الفضاء الأزرق لكن يبقى السؤال لمن تكتب وماذا تكتب وما هي رسالتك لأنني أعتقد أن للأديب رسالة يجب أن يؤديها خاصة أننا نشهد في هذا الزحام كتابات لا هدف لها سوى الكتابة رغم ما تحمله من جماليات اللغة لكنها خالية من الهدف والفكرة.
س٤
لكتاب القصة القصيرة الأجانب والعرب مكانة مميزة في صفحات ذاكرتك. من أهم كتاب القصة القصيرة الأجنبية وكتاب القصة القصيرة العرب؟
ج٤
أهم كتاب القصة القصيرة في العالم العربي توفيق الحكيم وغسان كنفاني وواسيني الأعرج ويوسف إدريس ويعتبر زكريا تامر رائد القصة القصيرة جداً أما على المستوى العالمي يعتبر دوستوفسكي وماركيز هم رواد القصة القصيرة،
س٥
_للقصة القصيرة عناصر ارتكاز تقوم عليها فنية القصة ما اهم عنصر برايك ترتكز عليه قصصك؟
ج ٥
عناصر القصة متعددة ..
شخصيات، حوادث، سرد ، بناء ، زمان، مكان،الفكرة.. أما العناصر الفنية فهي المقدمة ، السرد ، الحبكة، العقدة، الحل..
أنا من رواد كسر القوالب الفنية لصالح الفكرة لأنني أعتقد أن أهم عنصر هو الفكرة فإذا احتاج النص الخروج عن الصيغ الفنية للقصة فعلى الكاتب الخروج لتقديم الفكرة.
أعتقد أن هذه القوالب منذ بداية القرن العشرين يجب أن تتطور لكن كيف وأين هذا السؤال انا أجيب عليه بطريقة كتابتي للقصة القصيرة التي يعتقد البعض أن بعضها يكسر البناء الفني للقصة، وأنا أقول لا مشكلة إذا كان النص يحتاج ذلك.
س٦
ماهي أهل منجزاتك القصصية التي نشرتها خلال مسيرتك الحياتية؟
ج٦
لي مجموعة قصصية أجنحة المخيم تتحدث عن مخيم درعا منذ التأسيس وحتى عام ١٩٧٠..
. مجموعة قصصية فازت بمسابقة القصة القصيرة لدار ديوان العرب للنشر والتوزيع بالقاهرة مدارات امرأة وصدرت بالقاهرة وكانت في معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ أيام.
_ رواية الطريق الوعر..
_.. مجموعة نصوص أدبية أوراق من المنفى.
س٧
لكل. فن من فنون الأدب طفولة وشباب وكهولة. هل وصل فن القصة القصيرة إلى كهولته؟
ج_٧
أنا أعتقد في ظل عصر التكنولوجيا وزحمة وكثافة المعلومات بدأت الناس تميل إلى القراءة القصيرة وأعتقد أن القصة القصيرة بكثافتها وقصرها ومضمونها تلبي هذه الرغبة لذلك أعتقد أنها بدأت تحتل مكانة مميزة في عالم الأدب ، لا يمكن لأي أدب أن يصل إلى الكهولة لأنه يحمل في أحشائه بذور التطور والقصة أحد صنوف هذا الأدب.
س٨_ ماذا يمكن لك أن تقدم من نصائح لكتاب القصة القصيرة المبتدئين؟
ج_٨.. النصيحة الأولى والأخيرة القراءة والاقتراب قدر المستطاع من نقل الواقع كما يجب أن يكون والابتعاد قدر المستطاع عن القصة الخيالية..
س٩_ هل لك أن تحدثنا عن موقفك من فن القصة القصيرة جدا(ق ق ج)؟
ج’٩ .. القصة القصيرة جداً هي للنخب فقط وحتى بعض النخب تتوه فيها لأنها تعتمد على كثافة المشهد وقوة اللغة.
س١٠_ رشح لنا أجمل قصة قراتها في حياتك؟
ج_ ١٠ قصة أرني الله مجموعة قصصية تحمل نفس العنوان يطرح فيها أسئلة لازالت تتكرر حتى وقتنا الحاضر عن ماهية الوجود وما وراء الوجود تبدأ القصة عندما يطرح الطفل على أبيه سؤالاً بسيطاً لكنه عميق أرني الله وتبدأ رحلة معاناة الأب في البحث عن السؤال.
س١١_ زودنا بأجمل قصصك القصيرة لنشرها مع هذا الحوار.
ج١١_
: للحياة كلمة أخرى
تمشي الحياة على رأسها عندما نريد الرقص على أنغام موسيقى الرغبات ، تحشرنا في زوايا المثلث الحادة، لكن الروح لا تمل من معزوفة المحاولات .
شهد الطالبة الجامعية في السنة الثانية بكلية الطب المرغمة على دراسة هذا الفرع لأنه حلم والديها المنحدران من أسرة غنية، كانت ملفتة للإنتباه في ملبسها ومأكلها ومصروفها ومحط أنظار الجميع الكل يرافقها يرحب بها يقرأها حسب رؤيته.
يوسف الطالب المنحدر من أسرة فقيرة جداً كان يدرس في نفس الكلية حيث كان محط أنظار أساتذته وزملائه على حد سواء لتفوقه،
يجاهد في سبيل استمراره في الجامعة رغم سكاكين الحياة لكن مرض والده المعيل الوحيد لأسرته قلب كل المعادلات، فبدأ يبحث عن عمل ليأخذ مكانه وكانت الجامعة حلمه وحلم أسرته الضحية الأولى لهذا القرار ، لم يعد يذهب إلى الجامعة افتقده الجميع وكانت شهد الأكثر تأثراً فهي المعجبة جداً بهذا الشاب الذي يحمل صفات مميزة أحبتها جميعاً دون أن تتحدث بها مباشرةً معه( هناك شيئا يمنعني من مصارحته حدثت نفسها ذات مساء )، هو كذلك أحب ثقافتها وذكاءها لكنه في كل جلسة معها برفقة أصدقائه كان يسيطر عليه سؤال لم يجد له جواب ﴿ أنا وهي الفوارق كبيرة، يبدو أن الحياة ستحرمني حتى من الحب )
بدأ يوسف يعمل في مؤسسة دفن الموتى حفاراً للقبور ، تواصل غيابه الكبير عن الجامعة حتى أصبح مثاراً لأسئلة زملائه وأساتذته ، لم يستطع أحد التواصل معه ، في أحد الأيام جهز قبراً وانتظر صاحبه كعادته .
حضر المشيعون انتابه نوعاً من الحيرة والمفاجأة فقد كان أغلب الحضور من زملائه ، تقدم سمير صديقه القريب وعانقه بقوة
سمير : ماذا تعمل يا يوسف ولماذا ترتدي مثل هذه الثياب !؟
يوسف : أنا أعمل في مؤسسة دفن الموتى حفاراً للقبور
سمير : تترك الجامعة وتعمل في هذا العمل !؟
يوسف : إنها الحياة يا صديقي ، قل لي لماذا أنتم موجودين هنا ؟
سمير : لقد توفيت زميلتنا شهد بجلطة والبعض الآخر يقول أنها أخذت جرعة زائدة من الدواء وانتحرت لا أحد يعرف الحقيقة.
يوسف؛ ماذا تقول شهد؟
يبدو أن الحياة مستمرة في توجيه الطعنات لي الواحدة تلو الأخرى.
أحضر والدها وأشقاءها النعش وبدأوا بإنزاله إلى الحفرة إلا أن النعش أبى أن ينزل ، تقدم يوسف منهم وطلب المساعدة لكن والدها رفض بقوة لأنه غريب ولا يجوز ملامسة جسدها ، استشار والدها الشيخ الموجود مع المشيعين وأخبره أن عامل المقبرة يريد المساعدة ، وافق الشيخ على مساعدته ، وضع يوسف يديه المرتجفتين على النعش لمساعدة أشقاءها فإذا بالنعش يهرول نحو الحفرة، صدم الجميع من هذا الموقف حتى بدت علامات الحيرة تملأ وجه الشيخ. بعد الانتهاء من مراسم الدفن
غادر الجميع، بقي يوسف مكانه متسمراً ،أحسّ بشيء ما يحاول أن يفجر صدره ، جلس قرب القبر، أسند رأسه على طرفه وغرق في نوم عميق جداً حتى بزغت شمس الصباح عليه في اليوم التالي، حارس المقبرة الذي تعود أن يقوم بجولة صباحية داخلها، شاهده هرع إليه، هزه بقوة، أطلق صرخات متتالية في كل الاتجاهات لكنه يبدو تأخر كثيراً.