في الوعي هناء المستقبل وفي الذكاء والخطط الخلاقة خلاص البشرية
أنطوان يزبك
من اللافت للنظر في كل عواصم العالم المتطور هذه الأيام ، العمل الحثيث على محاربة المخاطر التي من الممكن أن تهدد المستقبل . ومن تلك المخاطر ازدياد حرارة الأرض والتصحّر وقلة المياه الصالحة للريّ والشرب والاستعمال، بالإضافة إلى أنواع عديدة من المخاطر التي من الممكن أن تهدد حياة الإنسان وصحته، واستحالة استمراره في سكن المدن..
وعلى سبيل المثال نورد مثلا كالصين ؛ حيث قام مهندسون بخطط إنقاذية عاجلة قضت بزراعة ملايين الأشجار و الاغراس وأشجار الفاكهة، حول العاصمة بايجينغ منعا لامتداد زحف الرمال والمشروع استغرق 25 ,عاما من التعب والكدّ والكفاح وتضحيات الآلاف من المهندسين والعمال لإنجاح عملية إنقاذ العاصمة من زحف الصحراء نحوها، وتاليا مع اشتداد التصحر سيعني ذلك هجرة السكان ونشوء مشاكل واضطرابات قد تهدد أمن الصين برمته.
،
كل مدن كوكبنا الأزرق الجميل معرّضة لهذه المخاطر ، وهي تسعى لمحاربتها على وجه السرعة وإلا كانت النتيجة مميتة مأساوية و قاضية على الحضارة.
في سنغافورة مثلا ، قامت مجموعة من المهندسين الحضاريين من كل أنحاء العالم ، بإعادة رسم مخططات هندسة معالم المدينة لتكون كل المساحات غير المستعملة ، مساحات خضراء لمنع ارتفاع حرارة المدينة بالإضافة إلى التقاط مياه الأمطار وتنقية المياه المبتذلة وإعادة استعمالها في ري المزروعات والنباتات الخضراء. ومن المقدر ان يتبدل شكل العاصمة إلى عاصمة خضراء تحسّن من نوعيّة الحياة فيها ومن حياة المقيمين النفسية والاجتماعية . بحيث تكون مقصدا للعلاج النفسي من الضغط والإرهاق بسبب العمل في أجواء مضرة من صخب المدينة.
وفي اليابان هناك عشرات الخطط لتحسين حياة الناس والحفاظ على الطبيعة والحيوانات على حد سواء حيث تعتبر الغربان من الطيور غير المرحب بها بسبب مشاكلها البيئية مثل نبش أكياس القمامة وبعثرة محتوياتها في الشوارع، وإتلاف المحاصيل والخضروات والفاكهة فضلاً عن صراخها المزعج..!.
ولأن القانون الياباني يمنع قتل الحيوانات، كان لابد من ايجاد حلول سريعة ، فكان الحلّ بطريقة متفوقة تشبه الخرافة وذلك من خلال تعلم لغة الغربان، واستغلال تكنولوجيا علوم الصوتيات والذكاء الاصطناعي.
إسندت المهمة للباحث ناوكي تسوكاهارا المتخصص في سلوك الغربان، بدأ بتسجيل بصمة أصوات الغربان المختلفة بأجهزة دقيقة مثل التي تستخدم في التحقيقات الجنائية، وفي الوقت عينه، تمّ رصد الأفعال التي تقوم بها الغربان بعد صدور كل صوت معيّن..!.
وبواسطة تحليل البيانات استطاع هذا العالم الفذ تحديد 40 كلمة من مفردات تلك اللغة مثل “لقد وجدت الغذاء” و”تعالوا إنها آمنة هنا” و “خطر اهربوا من هنا”!!
وبعد التأكد من صحة التحليل بدأت محافظة ياماجاتا في وضع مكبرات صوت بجوار أماكن تجميع القمامة لتطلق عبارة “خطر اهربوا من هنا”..! ولكن بلغة الغربان.
المدهش أن الغربان كانت تبتعد ولا تقرب هذا المكان حتي تأتي سيارات جمع القمامة وتجمعها.
ثم قامت السلطات بوضع الطعام للغربان في مكان آخر ثم أطلقت عبارة “لقد وجدت الغذاء” بلغة الغربان عن طريق مكبر صوت آخر.. فقامت الغربان بالتوجه للمكان المخصص وتناولت طعامها. ليست العبرة في اكتشاف لغة الغربان فقد تكون مجرد إشارات صوتية لطرد أو جذب الغربان .ولكن العبرة في حل مشكلة بيئة مستعصية ، قد تورث كارثة، تؤدي إلى نزوح السكان في ما لو تكاثرت الغربان وتسببت بحوادث مميتة كما في فيلم الطيور The Birds ل الفرد هيتشكوك ! .
و مازالت اليابان تبهرالعالم بحلول متقدمة لإنقاذ البيئة ، فيا حبذا لو كان لدينا في بلدنا مشاريع مماثلة من أجل إنقاذ البيئة وترميمها في مواجهة المخاطر وتحديات المستقبل من تصحّر وشح في المياه والجفاف. ماذا لو زرعوا في لبنان الأشجار بدل تلك التي قطعت وقامت السدود ونشرت البرك على رؤوس الجبال وهي برك اصطناعية لا تكلف شيئا بل تراكتورات تحفر وعوازل بلاستيكية لحفظ المياه المتساقطة في فصل الشتاء. صدقا سوف يتبدل الطقس في منطقتنا ونؤمّن المياه لكل دول المنطقة من حولنا التي تموت عطشا.
فعلا نحن نحسد اليابان الذين فكوا الغاز لغة الغربان و حدثوها ولم يؤذوها ، لا بل اطعموها بلطف وإنسانية وحموا الناس من عبثها و اوساخها وصراخها الملوثة للبيئة وقدرة السمع البشرية وتاليا انقاذ البشر من كوارث حتميّة ….