أدب وفن

لا تقامر بفرديّتِكَ/ بقلم الكاتب أديب كريِّم

لا تقامر بفرديّتِكَ
لا تبدأ حياتُكَ الحقيقيّةُ إلّا حين تتحقّقُ ذاتُكَ الشخصيّةُ الأصيلةُ، وهي الذاتُ التي تنطوي على أسرارِكَ الحميميّةِ، وتجاربِكَ الخاصّةِ، وأحلامِكَ الدافئةِ، وتطلّعاتِكَ المتوثّبةِ، فضلًا عن ذكرياتِكَ العزيزةِ، وأحزانِكَ المكبوتةِ، ورغباتِكَ المدفونةِ وميولِكَ المتواريةِ..إلخ.
هذه هي فرديّتُكَ الفريدةُ، وشخصيّتُكَ المتميّزةُ ذات البصمة التي يستحيلُ أن تماثلَها بصمةٌ أخرى مهما حاولتْ الأوهامُ والتخيّلاتُ تزييف الواقع.
لذا، إحرصْ على كنزِكَ الفريدِ، على شخصيّتِكَ المستقلّةِ، وعلى حقّكِ في تقريرِ مصيرِكَ بنفسِكَ، واتّخاذِ القراراتِ التي تراها منسجمةً ومتآلفةً مع حقيقتِكَ حتّى لو أدّى ذلك إلى إغضابِ الآخرين وتفرّقِهم من حولك.
أنتَ الوحيدُ الأدرى والأعلم بدواخلِكَ ومنابعِ عواطفِكَ وحقيقةِ رغائبِك.
تجنّب الوقوعَ في فخّ الجماعةِ مهما كانت المغرياتُ ساحرةً ومؤثّرةً، فإنّها، وعلى المدى البعيدِ، سوف تجعل منك نسخةً مكرّرةً من آلاف النسخِ المبتذلةِ، وتحيلُكَ كائنًا فاقدًا للهُويّة، مُرغمًا على إقصاءِ وإلغاءِ فرديّتِكَ والتماهي مع الجماعةِ في مختلفِ أنماطِها؛ في نظرتِها للأشياءِ وفي طرائقِ تفكيرِها وتحليلِها واستنتاجاتِها وأحكامِها، وفي شعاراتِها التي سوف تجد نفسَكَ تردّدها وتكرّرها دون تمحيصٍ وتدقيق، وحتّى أيضًا في منطوقِها ومأكلِها وملبسِها وتفاعلاتِها واستجاباتِها حيال أيّ تفصيلٍ من تفاصيل الحياة.
وبذلك تكونُ قد ضحّيتَ بشخصيّتِكَ المستقلّةِ دون أن تدري فداحةَ ما أقدمتَ عليه، وتنازلتَ عن حرّيتِك التي بفقدانِها سوف تفقدُ معنى وجودِكَ، وتعدمُ قابليّتَك للتفرّدِ والإبداعِ والتميّز.
ما تقدّم لا يعني، بأيّ حالٍ من الأحوال، النأيَ السلبيّ بنفسِكَ عن روحِ الجماعةِ، فهذا محالٌ ومخالفٌ لطبائعِ الأشياء، لكن غاية ما في الأمرِ هو أن يكونَ تفاعلُكَ مع الآخرين، بمختلفِ أهوائهِم وانتماءاتِهم ومناهلِهم، انطلاقًا من وعيِكَ العميقِ بخصوصيّتِكَ وحرّيتِكَ وحتميّةِ تميّزِكَ.

أديب كريّم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى