دوريس ليسينغ : أبدا لا تقرأ شيئا بدافع الواجب
ترجمةو اختيار / سمية تكجي
المصدر / calle del orco
دوريس لاسينغ : أبدا لا تقرأ شيئا بدافع الواجب
كما اي كاتب اتلقى بشكل مستمر رسائل من الناشئة الذي يكونون على عتبة الأعمال البحثية حول كتبي ،من عدة بلدان و خاصة من الولايات المتحدة،كلهم يطلبون مني المقالات التي كُتبت عن اعمالي و عن القراءات النقدية التي اجريت حولها ، هم في الحقيقة لا يعرفونها و لكن تعلموا انها على قدر كبير من الأهمية…تلك المهمة تشبه الباحث في لوائح شؤون الهجرة . هذه الطلبات ارد عليها بالشكل التالي : هل انتم مجموعة مجانين… ايها الطلاب ، لماذا تنفقون اشهرا و اعواما ، و تكتبون آلاف الكلمات حول كتاب، او حول كاتب ،بينما هناك مئات من الكتب التي تنتظر ان تقرأوها، الا تلاحظون انكم ضحايا منظومة ماكرة , اذا قراتم كتبي و كتبتم عنها قراءات و تحليلات ( مع عميق امتناني لكم ) فلماذا لا تقراوها و تقوموا بإجراء تجربتكم الخاصة حول ما تفكرون به ، و تقومون بالتحقق فيها من خلال حياتكم الشخصية و تجاربكم الخاصة ، انسوا الاساتذة من طراز الأبيض و الأسود ” كان الطلاب يجيبونني : ” علينا ان نعرف اسماء الباحثين في أعمالك، فإذا لم نأت على ذكر أسمائهم، فالأستاذ لن يمنحنا علامة جيدة .
هذا نظام دولي بالمطلق جامد و متشابه ، من الأورال و حتى يوغوسلافيا ،من مينيسوتا و حتى مانشستر ، و الطامة الاكبر اننا تعودنا عليه ، و لا ننتبه بانه عديم الفائدة ، و مدى السوء الذي يحتويه، انا ضد ذلك و ضد التعود لذلك تركت المدرسة في عمر ١٤ سنة ، في زمن معين احسست بالسوء لأجل ذلك و احسست أنني خسرت شيئا على قدر كبير من الاهمية ، لكنني الآن انا فرحة لخروجي المحظوظ من الأطر السائدة .
بعد نشر كتابي ” المفكرة الذهبية” بحثت بصبر كي اجد شيئا حول الآلية الأدبية و آلية العملية التي تُخلق من النقد و المداخلات ، لذلك تصفحت امتحانات مكتوبة لا تحصى و لم اوفق ان امنح عيوني رضا ، داومت في صفوف حيث يدرّس الأدب ، فلم امنح أذنيّ رضا .
قد تقولون انني ابالغ في ردة فعلي ، ، وليس لي الحق في قول مثل هذه الأشياء ، لأنني لم أكن أبدًا جزءًا من النظام “. لكنني أعتقد أنني لا أبالغ على الإطلاق وأن رد فعل شخص له قيمة من الخارج ، لأنه ببساطة رايه سوف يكون جديدا طازجا و ليس مسبق الصنع ولا يدفعه ولاء لتنشئة معينة .
و لكن بعد هذه القراءة اصبح عندي الكثير من الأسئلة ، لماذا يمتلكون رؤية ضيقة ؟ لماذا هذه الشخصانية ؟ لماذا لا يمتلكون الا بعض الموهبة ، لماذا يهتمون بالتفاصيل الصغيرة و لا يعيرون اهمية للعمل ككل؟ ، لماذا يسخفون و يصغرون؟ لماذا هم في مفهومهم النقدي فقط يبحثون عن الأخطاء ؟ لماذا يبحثون دائما عن الكتاب المتنازعين فيما بينهم و لا يبحثون و أولئك الذين يتكاملون ؟ لأنهم ببساطة تعودوا على هذا تدربوا ان يكونوا كذلك و اصبح سلوكا عاديا لديهم ، ان الشخص الذي يحاول ان يفهم ماذا كتبت و ماذا تحاول ان تقول و يعطيك نصيحة ، او ينتقدك انتقادا صالحا ، هو في اغلب الاوقات شخص من خارج الآلية الأدبية ،ومن خارج المنظومة الجامعية ممكن ان يكون تلميذا مدفوعا بحب الأدب او قارئا نهما ، يقرأ كثيرا و يفكر كثيرا و يتبع فطرته الخاصة .
لأولئك الطلاب الذين ينفقون من اعمارهم سنة من اجل الكتابة عن كتاب اقول لهم
الطريقة الوحيدة للقراءة هي التنقيب في المكتبات و دور النشر، و البحث عن الكتب التي تثير اهتمامكم و ابدا لا تقرأوا كتابا جعلكم تحسون بالملل …الكتاب الذي يشعرك بالملل في عمر العشرين قد تعود اليه و تقرأه بشغف في عمر الأربعين او الخمسين …
عندما تقرأ ، دع جانبا الأجزاء التي تشعرك بالثقل ، لا تقرا ابدا مدفوعا بالواجب .
لا تقرأ كتابًا في الوقت الغير المناسب لك. تذكر أنه من بين جميع الكتب التي تم طباعتها على الإطلاق ، هناك العديد أو أكثر من الكتب التي لم يتم نشرها أو كتابتها ، حتى الآن ، في عصر تقديس الورق المطبوع. يتم تدريس التاريخ ، وحتى الأخلاقيات الاجتماعية ، من خلال القصص ، والأشخاص الذين تم تكييفهم للتفكير فقط فيما يتعلق بما هو مكتوب وللأسف لا يمكن لجميع منتجات نظامنا التعليمي أن تفعل غير ذلك….
في كل ما حولك ،اذا كنت تسعى ان تحرص على فكرك مستيقظا ،فإنك سوف تجد الحقيقة في الكلمات غير المكتوبة ، لا تترك الكلمة المكتوبة تستحوذ عليك ، يجب ان تعرف قبل اي شيء ، ان قضاء سنة او أكثر مع كتاب و مع كاتبه فهذا دلالة انك غير مثقف بشكل مناسب لك بل انك مثقف لكي تقرأ على مزاج الكاتب و من تفضيل الى آخر للكاتب ، عليك ان تتبع حدسك و شعورك الخاص و ليس الإقتباس من الآخرين …و لكن ، و لسوء الحظ، سوف يكون الوقت متأخرا …!!!