مجموعة قصائد بقلم الشاعر الشيخ حسين أحمد شحادة
من النهر إلى البحر
—
هل يترك البحر أثراً في الغيم
أو يرفع للسماء
بيرق الحلم الجميل
أبحث في الملح
وفِي الملاّح
وفِي المرافىء البعيدة
هذا زمان الماء يحيط بِنَا
كلمّا افترضت ألوانه
بين المضيق والمضيق
تبيت وجهي الذي أوشك أن يكون
وتنفست أول الحرّية وآخرها
حتى خلت أنّ الأرض ترفرف بدمي
كرمح يعلو على صهوة المستحيل
—-
🌾🌾🌾
سأبسط جناحي لسلام الأرض
شرط أن تكمل دورتها
—-
قفي على قبري
ونوحي :
كان لا يعرف غير الجهر
بتقوى الله في الآبقين
من قهر الخوف
وقهر الجوع
وغلظة الأكباد
وكان يقول : أريد الحياة
شرط أن يبقى في الأرض
مساحة لحقنا بالفرح
وحقنا في الحياة
وكان إذا تورمت قدماه
واستسلم في خشوع الليل
لذكرى حزينة وهجد
كان أبي يردد :
أنا لي وجهة شطر بيتنا العتيق
وأريد القدس
شرط أن ينتشي القمر
في مدينة الصلاة
ولطالما نادى وانفرد :
أريد أن أتمّ الصلاة
وأكتمل بتكرار الجلجلة
في الصوت وفِي الضوء
وفِي سجايا القيامة
كلمّا غنّى لها قدّاس
تقدّس قلبي وصار في الحبّ أقوى وأصدق
يا صغيرتي
هل يرى العالم الأعمى ما صنعت يداه
أريد الحقيقة لتسلم الحقيقة
شرط أن أطعم الطيور من خبز يدي
وأريد الآن أسماءنا المطعونة
في قبّة الصخرة
لكي أصادق الغمام المذهل
في صيف الحقول
فيجري النهر بين الضفتين
وتمشي معي الأزهار
وأريد أن أبصر صورتك بين الأزهار
وناداني إليه وقال :
أريد أن أبسط جناحي للسلام
وأهدي مكاتببي للصغار وللكبار
شرط أن يُمحى من التاريخ
حكايات السادة والعبيد
وشرط أن ترفع الأساطير عني
لعنة الشعب المختار
—-
🌾🌾🌾
من باع سيده
بثلاثين من فضّة
—-
1/
هم يكذبون .. يكذبون
وهذي الخيام ليست سواسية
في الصحراء وفِي النسيان
فإذا انبهمت عليك الفواصل
وسقط البون بين الضدين
وتلجلج العالم الضرير
بأغنية لشهود الزور
لملم جروحك بين الكفتين
واعتدل
ليعتدل الميزان
وفتّش عن الذي باع سيده
بثلاثين من فضّة
ويد باردة وعينين من زجاج
2/
وأنت قتيل المسافة والكلمات
تذّكر أنّ الحرّية أعمق
وأعمق ما تكون عند تحرير الضوء
من خفافيش الظلام
3/
وأنت بين الظفر والناب
تذّكر شميم التراب
وأحزان النساء
وتذّكر أنّ الأسلاك الشائكة
التي أنشبت فيك لؤمها
لم تكن سوى طاحونة
قصمت ظهر الصلاة
4/
قاوم عدوك
لا تكن وحدك
وقاوم الألفاظ التي لا تسميك
وانتظر من ليل الشرق
شارق الأمر
واحترب بهذا الخراب
ماذا سيبقى من رأسك
لو سرقوا الأذآن
ولَم تجد عند الأجراس
رأس الكلمة
5/
وأنت في منفاك
والناس نيام
تذّكر
أنّ القدس بمنزلة القلب
وأنّ القيامة كخفق الروح في الجسد
خذني تحت عينيها
ولو أبصرتها أبصرتنا
وتذّكر
أنّ العدل إذا شرب من سمّ السلطة
أفسدها وفسد
ثم حلّت بِنَا الحسرات
والحسرات
6/
أناديك
ولن يضيع الحبّ سدى
وأنت تحاول شدّ اللغات إلى بعضها
لا تنس أن تفضّ الخصومة بين شبهتين
واحدة أكلت نون النقطة
من لحم الوطن
والثانية
قطعت عن خصرها التاء المربوطة
بزيتونة الأمهات
—-
🌾🌾🌾
قتلني الصمت غدراً
وقيل إنّ السكوت من ذهب
—
حدثتني العنقاء
قالت : ثمة ما يعرقل نمو الأشجار
ويسطو على الزمن الضائع
ويوغل في المدن المالحة
كمارد من جان
فأرى في نعاس الوقت
ساعة جدارية تنفخ في الرماد
رماني الزمان
صعوداً وهبوطا
وطوّق نحري بقلادة من قشور الفراغ
ومن شأنه إذا جمد الزمان رماني
يا مولانا الغريب
يا مولانا البعيد
فقدت السمع والبصر
لا أنا أسأل عن أحواله
ولا هو يسأل عن مصيري
هو ينام في سريري ويقرأ
وأنا في مخدعه أسهر
مع قمر مفتون من ذوي قرباي
ويقضّ مضجعي
أن ما نحن فيه من بلوى وشجار
ألقاب وكنى وأوسمة
وأمة من دخان
فلا الغزوات هذه المرة
حملت إلينا مصباح علاء الدين
ولا الحاسة السادسة أيقظت حبنا القديم
قتلني الصمت غدراً
وقيل إن السكوت من ذهب
وهذا الفراغ
كان مجرد إناء من فخار
وقع بين الأشياء والكلمات وانكسر
وحينما انتصف الظلام
جاءني واعتذر
ليمرّ الحلم المستحيل
من يده إلى يدي
لكنه لم يدر ما الفرق بين سريره وسريري
وليس في طول البلاد وعرضها
إلا وهو هجين أو مستعار
—-
الشيخ حسين أحمد شحادة