أدب وفن

مِنْ أيِّ طينٍ فاسدٍ جُبِلْتُم؟!/

السفير د. علي عجمي

مِنْ أيِّ طينٍ فاسدٍ جُبِلْتُم؟!

_____________________

أيُّ سلام نرتجي

وأيُّ خير نتوقع

وسط هذه المذبحة اليومية

التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الغزاويين

شيباً وشباباً

ونساء وأطفالاً

وعلى مرأى ومسمع من العالم

حُرِّه ومستعبَده

ها هي حرب الإبادة تدخل شهرها السابع

بكل الصلف والعنجهية

بكل التغطرس والتوحش

والإيغال في شرب الدم الفلسطيني

بكل الوقاحة في القتل

والتفنن في استباحة الطفولة

بكل الصفاقة في الكذب

بكل ألوان العهر السياسي

والأخلاقي والفكري والإعلامي

على مستوى العالم

كلِّ العالم

إلا قليلاً

فأي سلام نرتجي

وأي خير نتأمل

******

من سيعطي الطفولة في غزة

حقها في الأمن والأمان

فيما يمنعون عنها حليب الحياة

ويصبون حقدهم في شرايينها

تجويعاً مبرمجاً حتى الموت

ومن سيعيد لأمهات غزة

نضارة شبابهن الذابلة

بعد أن قطّعوا زهرات أعمارهن

بقذائف الموت الموقّعة

بأقلام زعماء العالم الحر

ومن سيفتح حقول الريح

كي ترمح فيها أحلام الشباب في غزة

مثل غزالات البر

وترقص فيها زغاريد الصبايا

مثل عرائس الجن

بعد أن سدوا نوافذ الريح

وحرثوا حقول الأحلام والزغاريد

بجنازير أحقادهم

قبل جنازير دباباتهم البشعة

فأي سلام نرتجي

وأي خير نتأمل

******

يا هذا العالم

أيُّ البشر تُراكم

من أيِّ جبلَّة طين أنبتكم رب الكون

إن أنين الطفل المسفوح الدمّ بغزّة

قد أيقظ حتى أشجار الغابات

وأسال دموع الصحراء بسيناء

ولم يتمكن من أن يوقظكم ذيَّاك الصوت

وعويل ثكالى غزة

قد فجّر أقصى ينبوع في الأرض

وزعزع أركان الكون

عداكم

وتدلّت فوق عناقيد الأيام حبالُ الموت

******

يا هذا العالم

أيُّ البشر تراكم

إذا كان قتل الأطفال علانية

وبلا خجل

لا يوقظكم

فماذا أنتم

وإذا كانت استباحة المستشفيات

بهذه الصلافة

وقتل المرضى

واغتصاب النساء

والرقص المتباهي بغطرسة السلاح والقوة

أمام أجساد الشهداء

وجرف المدنيين

تحت جنازير الدبابات

وهم أحياء

وقصف الناس المجوَّعين

قصداً وعمداً

وهم ينتظرون رغيف الخبز

إذا كان ذلك كلُّه

لا يحرك فيكم نأمة من شعور

فما الذي قد يجعلكم تشعرون

******

يا هذا العالم الموات

يا هذا الطين المجبول بدم فاسد

إن شلالات الدم المسفوح بغزة

ستطاردكم في هناءة أسرتكم

وأجسادَ الأطفال المقطعةَ في الأزقة

وتحت ركام البيوت

ستلعنكم حتى قيام الساعة

وقلوبَ الأمهات المفطورةَ وجعاً وموتاً

على فلذات أكبادهن

ستطلُّ عليكم

كلما نظرتم في مرآة ذواتكم العفنة

لتقول لكم

كم أنتم بشعون

ومقززون

فأنتم

بِصمتكم اللعين

لم تغمضوا العين عن جريمة الإبادة

وحسب

بل تشاركون فيها

حتى أدق التفاصيل

******

يا هذا العالم

من أيِّ طين فاسد جُبلتم

لقد قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي

خمسةً وثلاثين ألف غزاوي

غالبيتهم من النساء والأطفال

فلم يتحرك ولو قلم بليد من أقلامكم

ليدين تلك الجرائم

أو ليستنكر على الأقل

ولكن قتل سبعة متطوعين

في المطبخ المركزي العالمي

أثناء عملهم في غزة

أثارت فيكم الغيرة والنخوة والحمية

فلم يبق رئيس أو زعيم أو حاكم عندكم

إلا وأدان

وندد

واستنكر

يا لهذا العالم الوقح

فالقاتل المجرم

هو الإسرائيلي نفسه

والجريمة ترتكب على الأرض نفسها

فما الذي اختلف

ولماذا هذا التمييزُ

وهذا الافتئات

ترانا نعود

في القرن الحادي والعشرين

إلى نظرية أصحاب الدم الأزرق

أم ماذا

******

وعلى الهامش

تفصيل مقزز أخير

رأيت صحيفة عربية

نشرت الخبر

ومعه نشرت صورة ستة من القتلى

وهم من الولايات المتحدة وبريطانيا

وكندا وأستراليا وبولندا

أما القتيل السابع

الذي لم تنشر الصحيفة العربية صورته

فهو

بكل بساطة

فلسطيني

هل أدركتم الآن لماذا

******

د. علي عجمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى