أدب وفن

حين تنسّكنا مع غابريال عبد النور في المتحف الوطني

حين تنسّكنا مع غابريال عبد النور في المتحف الوطني

رندلى جبور*

لم يكن حفلاً موسيقياً أو غنائياً عادياً ذاك الذي أحياه التينور غبريال عبد النور في المتحف الوطني، بل حالة نسك لَحْنيّة تشبه الرحلات في الخيال، خارج كل جغرافيات هذا الواقع وقوالبه.
ساعتان من نسيان أو من حنين أو من يقظة ذاكرة قديمة أو من انخطاف او من دمعة عالقة تفتّش عن مناسبة للهطول أو من فرح مخطوف في هذا الزمان المتعَب.

ساعتان تمتزج فيها أحاسيس الحب المنتفض من جديد، والحزن العائد على صهوة ليل سهران، والوطن المولود فيك عاصفة متجددة.

إنك لا تجد توصيفاً لمشاعرك المتأرجحة على طلعات صوت غبريال ونزلاته، ذاك الذي يأخذك إلى عمق لبنانيتك ثم يجول بك في اليونان برقصة تراثية هادئة، وينقلك بلغة فرنسية إلى حضارة فائقة الجمال.

أنت في حضرة غبريال عبد النور تكون درويشاً دائخاً، ومتصوّفاً حديثاً، وعائداً إلى أصالة كلمة وعظمة لحن مع فنان ثقيل من حيث القيمة، يجعلك تطرب من دون الحاجة إلى تمايل، وترقص من داخلك من دون الحاجة إلى هزة خصر.

في زمن بات فيه الفن الذي يخترق الروح عملة نادرة، اجتمعت وزارة الثقافة راعيةً، ومنتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة داعياً، والمتحف الوطني مستضيفاً، وغبريال عبد النور مغنياً، ووجوهاً ثقافية وفنية وأدبية حاضرة، لتكوّن خلطة قدسيّة تنتشلك من الاحداث الراهنة، وتصنع لحظات لا يتقن صناعتها إلا الكبار.

حجارة متحفنا الوطني لم تكن صامتة هذه الليلة، إنها استفاقت كما نحن، من جديد، على الحياة بوجه آخر.

شكراً لغبريال عبد النور الذي حافظ على ذاته الفنية، وشكراً لميراي شحادة التي لا تزال تناضل من أجل كلمة نسجها والدها حريراً لغوياً ذات زمان، وشكراً لكل من لا يزال يؤمن أن النقاء والسحر والرقي بلا صلاحية انتهاء!

*روائية و اعلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى