سفر على متن النص ( قراءة حنان بدران في نص غمدان المريسي

تعليق فلسفي على النص الشاعري ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا نص للكاتب #ا.غمدان ياسين المريسي..
في هذا النص العاطفي العميق تتجلى مفارقة الارتباط والفقدان في أبسط صورها وأكثرها قسوة .
الكاتب هنا ينسج لنا بأسلوب اعترافي حميمي شبكة من الاحتمالات الضائعه والتائهه،كأنها تحاكي الزمن الذي لم يمنح العلاقة فرصة نجاة.
نقديا ..
يمكن القول إن النص يتحرك على خيط رفيع بين الحنين العفوي والإفراط في المثالية العاطفية،إذ يقدم “الصداقة ” هنا كملاذ أمن يمكنه أن يحمي فيها العلاقة من الألم،بينما يغفل أن الألم جزء أصيل من كل صلة إنسانية تتجاوز حدود السطح
.
فلسفيًا:
يطرح النص سؤالًا وجوديًا ضمنيًا: هل كان الألم قدرًا محتومًا، بغض النظر عن طبيعة العلاقة؟
وهل الصداقة نفسها كانت ستنجو من استحقاقات التعلق والحاجة والتوقع؟
يبدو أن النص يركن إلى وهم أن التغيير في تعريف العلاقة (من حب إلى صداقة) كان سيحمي الذات من الانكسار، متناسيا أن جوهر العلاقات البشرية هشٌ بطبيعته، وأن الغياب، الفقد، وحتى الخيبة، ليست عوارض طارئة بل جوهر في الوجود الإنساني ذاته.
وما يعاني منه في المسمى المبتدع هي ذات المعاناة التي سوف يعانيها تحت سقف الحب فيها.
النص ينبض بمشاعر صادقة ومكشوفة، لكنه ـــ ككثير من الأدب الوجداني ـــ ينحاز إلى تصور رومانسي للعلاقة، مما يجعله مؤثرًا على مستوى الإحساس، ولكنه مفتوحًا على تساؤلات فلسفية عميقة حول ماهية الروابط الإنسانية وحدود الأمل والحسرة فيها.
✓التقنيات الفنية في النص:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الناحية الفنية، يعتمد النص على أسلوب التكرار البنائي (“لو أننا بقينا أصدقاء”)، وهو تقنية تخلق إيقاعًا داخليًا وتؤكد الإحساس بالحسرة المستمرة. هذا التكرار يحول الفرضيات إلى ما يشبه مرثية ناعمة، حيث تتراكم الأمنيات المنهارة فوق بعضها البعض لتبني مشهدًا شعوريًا متزايد الكثافة.
لغويًا، يميل النص إلى البساطة التعبيرية، مع استخدام عبارات مألوفة وحميمية تقرب القارئ من التجربة الشخصية، بعيدًا عن التعقيد البلاغي أو التزويق اللغوي. هذه البساطة ليست ضعفًا بل خدمة متعمدة لهدف النص: إبراز الصدق العاطفي بلا أقنعة.
✓من جهة أخرى الصورة الفنية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يعتمد النص على المجاز الكثيف أو الصور البلاغية المعقدة، بل ينشئ قوة تأثيره من واقعية المشاعر والتفاصيل الصغيرة:( رقم الهاتف، تصفح الحساب، صلاة الحماية)،
كل هذه التفاصيل اليومية تتحول إلى رموز لفقد أكبر من مجموعها.
هناك كذلك تناص خفي مع الفلسفة الوجودية، عبر الإحساس العميق بالعجز أمام الزمن والقدر، والإيمان الضمني أن الاختيارات أو المسميات (صداقة/حب) لا تضمن النجاة من الألم.
لأنهم ببساطة كلاهما ألم.
✓على مستوى البناء:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتمد النص على حركة حلزونية لا خطية: كل فقرة تعيدنا إلى نفس الفرضية الأساسية ولكن مع تحوير شعوري جديد، مما يمنح النص طابعًا تأمليًا أكثر منه سرديًا.
أخيرًا، يمكن القول إن النص ينجح في أن يكون مرآة للقارئ، حيث يجد كل من مر بتجربة فقد أو وداع نفسه بين كلماته، رغم خصوصية القصة.
✓تأملي الشاعري بعض الشيء :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا النص يتكئ على أطلال علاقة لم تكتمل، لكنه لا يرثي الحب بقدر ما يرثي الاحتمال الضائع. بين سطور الحنين، ثمة محاولات مستميتة لإقناع الذات بأن “لو” كانت ستنقذ كل شيء، وكأن تغيير المسار كان يمكنه أن ينقذ القلب من مصيره.
التأمل في النص يكشف أن الكاتب لا يأسف على الفقد وحده، بل على براءة الشعور الذي كان يمكن أن يستمر دون أن يتلوث بالألم أو الخيبة.
✓لغويًا:
ـــــــــــــــ
النص بسيط في عباراته لكنه عميق في دلالاته، يفتح جروحًا صغيرة بأسئلة كبرى عن الفراق، الندم، والقبول. الفلسفة الهادئة التي تسري بين الكلمات تقول لنا: لا شيء يبقى لمجرد أننا نريد له أن يبقى، ولا حتى الصداقة. فالبشر ليسوا معاني نحملها بضمائرهم (أنت، أنا، نحن)، بل حكايات مكتوبة بالخسارات بقدر ما هي مكتوبة باللقاءات.
في النهاية، النص لا يدور فقط حول غياب شخص، بل حول الغربة التي يزرعها الغياب فينا، حين نصبح فجأة عاجزين عن التقدم وكأن جزءًا منا ضاع ولم يعد يعرف الطريق.
وهنا نسي الكاتب بالنهاية أن العلاقات بالعموم لا تبنى على مفهوم شخص واحد أو طرف واحد فقط ؟!
بالعادة العلاقات يجب أن تبنى على مفهومين وليس مفهوم واحد ،ولا يعني شعور الأول من الغربة والاغتراب واختياراته هنا تطرح سؤال عن الطرف الآخر …الغائب الحاضر بالحكاية..والذي صعب أن تكون لسان حاله لأن رأيه الغائب هنا يفرض الاحترام ويلزمنا الصمت.
ولكن لا ينفي وجود الاعتراف والاقرار قمة الصورة الشاعرية هنا من الكاتب لنقول :
الكاتب هنا يحترم نفسه ويحترم الآخر لأنه لم يخن حقيقة ذاته بالاعتراف ..
وأشد انواع الكذب والخيانة العظمى في العلاقات الإنسانية تكون بخيانة حقيقة إحدى الطرفين لحقيقة ذاته …
وكاتبنا كان صادقا لحقيقة ذاته .
من مشاعر خجوله نقف على نص يبدو بسيطا شكلا لكنه عميق مضمونا .
بقلم الناقدة
حنان بدران
نص ا.غمدان ياسين المريسي

لو أننا بقينا أصدقاء
لسميت الضمائر بيننا بأسمائها: أنت تعني أنت، وأنا تعني أنا، الكاف لك، و الياء لي…
لو أننا بقينا أصدقاء لاحتفظت برقم هاتفك في جهات اتصالي، لما غيبته واحتفظت به في قلبي فقط، لشرعته للجميع…
لو أننا بقينا أصدقاء لتصفحت حسابك وقرأت فيه، دون أن أقف عند اي كلمة فيه إلا للتصفيق فقط، لمن تكتب، ماذا تقصد، مابك، لا يهم أبدا…
لو أننا بقينا أصدقاء لما صنعت ألف عذر لغيابك، لما حفظت ألف أغنية أهديها لك حين عودتك، لما صليت ألف صلاة ليحميك الله…
لو أننا بقينا أصدقاء لو أنك تركت قلبي مثقوبا، مستعدا دائما لأي خيبة جديدة، لو أنك لم تحاول جبر الألف كسر فيه، لو أنك عبرت سريعا
لو أننا بقينا أصدقاء لما مارسنا العتاب بالطريقة الغبية جدا ذلك المساء، لما احتاج أحدنا لأكثر من كلمة انا آسف، ليجيب الثاني انا أيضا آسف…
لو أننا بقينا أصدقاء لكانت هذه النهاية شيئا عاديا ككل الأشياء التي تولد لتغيب، أو تموت، لما بقيت حتى اللحظة اسأل الله ان يردك لي، لرضيت…
لو أننا بقينا أصدقاء لما صارت فكرة أن أمضي في الحياة دونك مخيفة جدا، لنمت باكرا ليلة غيابك، ثم استيقظت باكرا أيضا، ومضيت وكأنك لم تكن لو أننا بقينا