أدب وفن

تطبيقات جديدة تزوّر الحقائق من خلال توليد ذكاء اصطناعي متفوّق !

تطبيقات جديدة تزوّر الحقائق من خلال توليد ذكاء اصطناعي متفوّق !

أنطوان يزبك*


يشهد العالم اليوم تطورا سريعا في تطبيقات الذكاء الإصطناعي ومن اسبوع الى آخر ، تتطوّر التطبيقات التي تصنع الصور والأفلام أقرب الى الحقيقة ، لدرجة أنها صارت تتفوق عليها ، سباق رهيب نحو التفوق التكنولوجي ، الذي خرج عن الواقع و سلطة الإنسان فماذا بعد ؟
قالها ذات يوم جان روستان ( 1894- 1977 )، عالم البيولوجيا والفيلسوف الأخلاقي الفرنسي الراحل :
” لقد جعل العلم من الناس آلهة قبل أن يستحقوا أن يكونوا بشرا “.
اهتمّ جان روستان كثيرا بعلم الأخلاق و علاقتها بالعلوم بشكل قريب و عمل جاهدا للتوفيق بينهما ، و كأنّه استشرف بذلك المستقبل الذي سيكون بعد رحيله عن عالمنا من حوالي خمسين سنة ، ومن يتبع سيَر العلماء والفلاسفة والمفكّرين منذ القرن الماضي ، يلاحظ هيمنة هذه المواقف التي هي في حقيقتها مخاوف !
ومن جهته ألبرت أينشتاين نجده يقول أيضًا :
“العلم من دون الدين أعرج ، و الدين من دون العلم أعمى” !
هذا الأقوال جاد بها علماء كبار يعدون من أبرز علماء القرن الماضي ، ولكن ماذا سيكون رأي روستان و أينشتاين في يومنا الحاضر ونحن نشهد على فورة ذكاء اصطناعي لا نستطيع التحكّم به ، يصعد متقدّما بسرعة جنونية في التطور والتكنولوجيا ، واليوم يجري الحديث عن تطبيقات بالغة في حداثتها نذكر منها تطبيقين حديثين للغاية :
Sora 2
WAN 2,5
و تطبيق( وان ) هو صيني بالكامل ويمكن أن يكون سورا ايضا صناعة صينية مشتركة مع علماء من بلدان أخرى ! تستطيع هذه التطبيقات من خلال مهارة الذكاء الإصطناعي ، خلق فيديوهات لا نقدر على تفريقها عن الفيديوهات الواقعية التي تصورها الكاميرا ، ولكن ما هو تأثيريها علينا و على وعينا ، كلّنا نعلم أنّه ( بعد السكرة بتجي الفكرة ) ففي هذه الفيديوهات هامش كبير يسمح بالتزوير و التلاعب بالحقيقة ، اختلاق ما لم يحصل و حصول ما لم يخلق ، كمن يبحث عن انعكاس وجهه في المرآة فلا يراه مثل دراكولا مصاص الدماء الذي لا روح له ولا باطن كياني فلا انعكاس لصورته في المرآة على ذمّة الكاتب ( برام ستوكر ) مبتكر هذه الشخصيّة .
بعد احتلال الرجل الأبيض الانكلوساكسوني للقارة التي سمّيت أميركا ، كان سكّانها الأصليّون الهنود يرفضون التقاط صورة لهم بواسطة الكاميرا الفوتوغرافية ، بحيث تأسر أرواحهم في إطار الصورة حسب معتقداتهم ولا ننسى أن آلة التصوير كانت لا تزال في ذلك الزمن في بداية عهدها و هي بدائية للغاية إذا ما قورنت بتكنولوجيات اليوم ،
فماذا عسانا نقول الآن عن تطبيقات الذكاء الإصطناعي والتي تبدو كاميرات الماضي أمامها و كأنها من عهد سحيق ؟
تخترع هذه التطبيقات الواقع والحقيقة من دون الرّكون إلى مرجع واع للضمير الأخلاقي ، أو رادع تحرّكه الواقعية المنطقية ، و الإحساس بالمسؤولية و التبصّر كما لدى علماء مثل جان روستان و ألبرت أينشتاين .
في مقالة علميّة للفيلسوف اللبناني حسن عجمي عنوانها 🙁 السوبر تخلّف و الذكاء الإصطناعي السوبر خلّاق) ، نقرأ التالي :
السوبر تخلف هو تقديم العلم على أنّه جهل وتقديم الجهل على أنّه علم السوبر تخلف هو تطوير التخلف من خلال الاستخدام الخاطئ للعلوم والتكنولوجيا من أجل نشر الجهل والتجهيل والتعصب .
كما يضيف أيضآ : السوبر تخلف سائد في الشرق والغرب معا مثل في ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية لتقديم الجهل على أنه علم وتقديم العلم على أنه جهل ، ورفع رايات التجهيل والتعصّب ، و من منطلق السوبر تخلف السائد نشأ الذكاء الإصطناعي الحالي كآلية تطوير للتخلف فالتخلف قابل للتطوير بشكل مستمر مما يستدعي بناء آليات ناجحة في تطوير التخلف باستمرار .
ويواصل الفيلسوف حسن عجمي أيضا شرحه في مسألة الذكاء الإصطناعي قائلا :
كلما ازداد الذكاء الإصطناعي تطوّرا ازداد تخلّف الإنسان ممّا يتضمّن أن الذكاء الإصطناعي الحالي يؤدّي إلى سيادة السوبر تخلّف من خلال تطوير التخلف اعتمادا على التكنولوجيا . مثل أساسي على ذلك أن الذكاء الإصطناعي يقدّم إجابات محدّدة بشأن أي سؤال وأي قضيّة وهذا يناقض التفكير العلمي لأنه يوجد خلاف علمي حيال أيّة قضيّة وأيّة إجابة على أي سؤال فلا يقينيّات سوى في الرياضيات والمنطق بينما العلوم كالعلوم الفيزيائية والبيولوجية فهي خالية من اليقينيّات والعلماء مختلفون حيال ايه قضيّة أو مسألة علميّة كخلافهم حول كيفيّة تحليل الجينات البيولوجية وخلافهم حول كيفيّة نشوء الكون من عدم أم نشوئه من أكوان آخرى.
هذا بعض ممّ ورد في مقالة الفيلسوف حسن عجمي في مجلّة الف لام الالكترونيّة ولمن يرغب في استزادة ، ما عليه سوى أن يعود ليطالع هذه المقالة في المجلة .
اكتفيت بهذا الجزء الوجيز لأذكر أنه بالإضافة الى مقالات أخرى مماثلة تتناول موضوع الذكاء الإصطناعي تصدر بالآلاف يوميا ، لا نستطيع سوى أن نقف من هذا التطور السوبر سريع موقف حذر وليس موقف عداء للتقدم ، التقدم مطلوب ومهم ولكن الكيفية والميل يبقيان يشكلان علامات استفهام كبيرة .
نحن الآن نعاني من مأزق كبير وهو خطر الوصول إلى نقطة الصفر في العلاقات البشرية ، فماذا لو استبدلوا كل ما يراه الإنسان على شاشات التلفزيون وفي وسائل السوشيال ميديا بأفلام مصنوعة بواسطة الذكاء الإصطناعي حصرا، هذا الذكاء، الذي لا يني يتطوّر يوما بعد يوم ؟ هل سنصبح في حالة من انعدام التفكير كما بفعل انعدام الجاذبية عندما نغادر غلاف الارض الجوي ويصبح كل شيء مختلقا و غير مادي حسب أهواء الذين وضعوا الداتا في محركات هذا الذكاء الإصطناعي الذي قد يتمرّد يوما ما علينا وعلى البشريّة عموما ويفرض منطقا جديدا ؟
جاهد العلماء والمفكّرون على بناء صرح الفكر والمنطق الكبير منذ أن بدأ تاريخ الفكر البشري ينظّم العلاقات بين العقل والمادّة من جهة والعقل والإنسان من جهة أخرى ، ولكن ماذا لو صنع الذكاء الإصطناعي مؤتمرات سلام وهمية على غرار المؤتمر الأخير في مصر من دون حضور القادة والرؤساء حتى ما (يتعزبوا و يسافروا ) من بلد الى آخر بل يكتفون بمشاهدة أنفسهم على شاشات التلفزيون وهم (يتسالمون ) ؟!
قد تبدو الفكرة وهميّة بعض الشيء ولكن مع الذكاء الإصطناعي كل شيء وارد و يمكن أن تحصل أمور عديدة أخرى منها تحويل رواية الى فيلم هوليوودي بامتياز من دون الحاجة إلى ممثلين و كاميرات و مواقع تصوير فما بالكم لو اختاروا الممثلين من بين رجال السياسة وحكام العالم العظماء الذين يدوسون على صدور الفقراء، كما كان يقول تشي غيفارا ، هل ستزيد شعبيتهم ومحبة الناس لهم ؟
اقترح ان يتم( توليد ) رواية : “قهقهة الجزار ” لكرم ملحم كرم ، فنحن على ما يبدو دخلنا عصر عشرات من الجزارين يقهقهون على جثث عشرات الملايين من الضحايا الأبرياء في مدن الإسمنت المطحون حول العالم !

*كاتب و باحث لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى