أدب وفن

قراءة في حضرة الفن التشكيلي

الفنان بشير بشير يرفع الستار عن جدارية تتحدى الوباء

قراءة في حضرة الفن التشكيلي

الحظر الصحي بين المتعة والمعاناة
الإبداع في أيام الحظر الصحي
لوحة جدارية للفنان التشكيلي بشير بشير

ربما كانت ايجابية الفن التشكيلي ومن يتناوله ..هي الأكثر مواجهة لكل سلبيات هذا الظرف الذي يطال العالم أجمع .
وباء فايروس كورونا ..
حقيقة المفارقة الأهم في حدث أستثنائي ومأساوي يشل حركة البشر ودورته العملية الأنتاجية و المعيشية في أغلب دول العالم .
المفارقة التي يعيشها أغلب فناني العالم في بيوتهم ومراسمهم ككل البشر .
نجد أغلب الفنانيين التشكيليين في مراسمهم يمارسون طقوسهم الأبداعية من نحت ورسم وكتابة ..وبالاضافة لبعض الفنون الأخرى كالأدب والشعر .
نعم هي الحياة الطبيعية التي يعيشها أغلب المبدعين وبالأخص والفنانون التشكيليون .. بعيدا عن القلق والوجع والمعاناة .
وهكذا نجدهم بأبداعاتهم هم الأكثر تأثر بالظرف والحالة التي يعيشها البشر .
لتجعل منهم أثر الغوص في الذاكرة والوجدان بالواقع الذي يحرك الأحاسيس والمشاعر الأنسانية بتفاعل مباشر مع الحدث .
لتتسابق الألوان بافتراشها قماشات الوجع والمعاناة ..بمرايا الذاكرة والحاضر ..لتمارس جدلية الخفاء والتجلي بمسخ وطي ونشر .. بوهج وفصاحات وأضمارات بالضوء الناعس لتتجلى جغرافيا وتضاريس و( جولوجيا ) اللون والقماشة .. بمحاكاة الآخر و تشريح الحالة المرضية ( البثولوجيا ) ..
ومعالجتها بالفن التشكيلي بالألوان الطب النفسي ( السايكلوجيا ) …
نعم وهكذا نتناول اشراقة من اشراقات الفن التشكيلي في عالمنا العربي .
الفنان التشكيلي بشير بشير
الحظر الصحي بين المتعة والمعاناة
يرفع الستار عن جدارية تتحدى الوباء .. كورونا
ليقول للعالم أجمع نعم بالفن تستمر الحياة ونحيا .
ليجهد بفكره وأنفعاله واسترجاع وبناء واستنهاض تحت استشراق بروق ورعود أربيسك أبجديات ومقامات محمولة بألوان وأنسجة .
في أسترجاع وترجيعات وبنفس صوفي وكأنه يلبس القماشة أحجارا كريمة بالحروف والحروفية الغنائية ..وكأنه يكتب نوتة موسيقية بمقامات شرقية كالصبا والنهاوند .
يستصرخ اللون الأزرق الذي يأخذ مساحات كبيرة مع تطعيمها ببقية الألوان .
وببصمة تشكيلية جديرة بالأهتمام .. بتميزه وتألقه بخصوصية وتفرد لايشبه ولا يتشابه ..
نعم وهكذا الفنان بشير بشير
يفرد جناحيه وتنتصب اللوحة وتعبق بالبخور والعطور .. وكأن هواء اللوحة يهب عبر رؤيا فنية جمالية تضرب في ماهية الزخرفة والأربيسك بأشارات ودلالات .
ليعزف على جسد القماشة اشاراته ومفرداته برهافة وشفافية ..ليستظهر فيها فكره ومعانيه ومفاهيمه الإنسانية والفنية .
لايصال المعنى من خلال الأشكال الجمالية التي تبزغ بين يديه عبر ضربات فرشاته وألوانه على القماشة .
في حركة دوارنية قاطع مساحة اللوحة الجدارية يمينا وشمالا أعلى وأسفل .. يضيئها ويجسدها كما يرغب ويريد .. ليعطيها من روحه ايقاعات وموسيقى خفية ومعلنة .
وبمركزية اللوحة يستحضر الدائرة ودلالاتها الفلسفية والروحية والحياتية برمزية عالية .
للأستمرار والتلاقي في الفعل الجمالي .. ليجمع ويزاوج بين الأشكال الهندسية الحادة بخط الدائرة وحروفه المتعرجة والمائلة وبحركات انسيابية شاعرية .
ليلعب لعبة الخدعة البصرية ويجعل من المتلقي والناظر ينصب تركيزه الكلي حول الدائرة والحروف والرموز .. بخطف بصره عن حدود اللوحة وأضلاعها الأربع .
وبزخم المؤثرات التي أستحضرها عبر تعدد درجات اللون الواحد وتنوع الألوان .
وبتحوير وتحويل وازاحات وليونة الخطوط وتعابيرها .. حيث فيها كل الجاذبية التي تدفعنا إليها وتطربنا بها وفيها .. تكهربنا وتمغنطنا إليها .
لتخلق لدينا أنفعالات وتاثيرات شتى بنبض وخفق وايقاع هارموني أكثر أبعادا واعماقا عنها هندسيات .
ومايميز هذه الجدارية الحركة في الأشكال والحروف وتعدد الألوان فيها وكأنها ترقص أو هي كذلك ..وربما كأنها تنطوي على حلم الطيران والتحويم والتحليق في الفضاءات المحتدمة والمحمومة والإنسانية.
وبعيدا عن توثيق المشهد الصحي والوقائي وأشكاله ..كمامة .. قفازات ..وتشخيص صورة للفايروس كما كثير من المبدعين صورو المشهد …
نجد الفنان بشير بشير يستحضر الفعل الجمالي والحالة الايجابية لا التشائمية ..
وكأن الحظر الصحي بالنسبة للفنان هو ملتقى أو معسكر تشكيلي أو أحتفالية تشكيلية لا أكثر .
لا شك أن حماس الفنان الذي هو وليدة ظرف ومأساة ومعاناة .
ألا أنه يدل على مدى إيمانه وتوحده وتقمصه للمعاناة وكأنه يجري حوارات جمالية.. يتطارح فيها أسئلة الوجود والعدم والخلق والولادة الحياة بالحياة .. ويتفاعل معها بحبه وعشقه وعزفه وأيقاعاته ..بتجويدها وتنغيمها وتطريبها .
وينجح في تدقيقها وتحويرها بالفعل الجمال الدرامي الصارخ في كل اقسام اللوحة ..
ليبث كل الاشراق والاحتفالية البصرية المعقودة فيها .
نعم للإبداع التحدي في زمن الكورونا .

الفراتي جمعة الناشف / فنان تشكيلي و ناقد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى