نص أدبي للكاتبة نهى حسين و قراءة أدبية للشاعر حسّان عزت
نص أدبي / الكاتبة نهى حسين
- إشارة المرور حمراء:
” الفرصة مواتية” يقول فان كوخ بينما يحثّ خطواته في الممشى المخصّص للشّاحنات، فهو كثير!
ولوحاته تتوضع بين يديه كذروة جبل
فتحجب عنه الوجهة المقابلة
لذلك أعتقد بأنّك ستجده مبعثراً كالنمش
كلّما /انتظرت/
طقوس التّحوّلات والإشارات
يعبر من الضّفّة الزّرقاء إلى زهور عبّاد الشّمس
دون أن
يصلَ
أصلَ
إلى جهات أخرى!
- إشارة المرور خضراء:
لم تكن لعبتي المفضّلة سكّة القطار
لكنّني حصلت عليها مراراً في أعياد ميلادي
وسعدت بها؛
فتكرار ظهور نجمة لليلتين متواليتين من حسن المطالع!
ثمّة شيء واحد كان ينقصها:
الضّوء؛ تلك الرّوح التي تومض لنتجاوز المحطة إلى أخرى
أذكرُ دون الحاجة إلى سماع الصّافرات كم افترشت أرض عزلتي
لأمدّ سلسلة القاطرات كما لو أنّها ثعبان الأمير الصّغير
ولا يهدأ روعي الطّفولي حتّى أشدّ مفاصل السّكك؛
لئلا تضيع في الرّحلة بعض أجزاء الحكاية!
يبدو من الحزن بمكان ألّا متسعاً لاستقلال الحلم
ريثما يتحرّك الوقت /هنا/!
- إشارة المرور صفراء:
أتهيأ لمراقبة هجرة الطّيور؛ فأنا أحبّ اندلاع رحيلها في السّماء
رغم أنّها لا تلتفت إليّ رغم بكائي والتزامي بمواعيد وداعها كلّ عام!
ليس لطفاً منّي بعد هذا وصف هجرانها الصارم بالجمال!
لكنّ الحقيقة تتجلّى:
إنّها تتفشى أسراباً كبقع الزّيت!
لا يبدو التّشبيه موفقاً لولا أنّه في قلبي
شجر زيتون
وعرائس زعتر
وروح القطارات إذ يتقاطر منها الصّمت
فتتمكن من أخذي
بكثرتي
وهشاشتي
/صوب ما ينتظر وصولي!/
- إشارة خارج النّص:
” دعينا نعبر؟”
يقول فان كوخ لي بينما أطوي المسافة بين /قصيدتين ولون/!
قراءة أدبية / الشاعر حسّان عزت
الطفولة وغبار الذهب
في قصة عباد الشمس ..
قراءة : حسان عزت
ونحن بصدد قراءة القصة اللافتة لنهى حسين عباد الشمس ، لابد من بضع أسئلة لنكون في جدارة القراءة والبحث ..
ماذا يلزم العاشق
ماذا يلزم الشاعر
ماذا يلزم الفنان
والحكاية والاغنية والرحلة ..
وماذا يلزمنا لنعبر من الضفة الزرقاء إلى ضفة حقل عباد الشمس ..
والطريق مليئة بالشاحنات وإشارات المرور والزمن ..
إذا لابد من تيمة عظيمة وغالبة في الكتابة ولاشيء بدونها يكون
تخطفنا القصة .. باعتماد درامية وتكنيك القص والحكاية والأسلوبية الاحترافية لإنجاز المغاير ولتأكيد مسارات جديدةساحرة ولتحقيق ذلك تتوقف الكاتبة خلال رحلة وهي تحدث نفسها..
وتشرح كيف تعزّز عملها ورحلتها (أشد السّكك حتى لاتنفلت ..يلزم كذا ..لكي يصل وأصل .. لابد من تلك الروح لتجوز الصمت ) هذه الوقفة والحوار
مع الذات وتحرزات رسم القص داخل النص تعطيه حيوية حوارية داخلية مايجعله مشاهد سينما ، وصور حلم، يتجلى بين الواقعي والسيريالي .
لتختم الكاتبة بما بدأت مع فان كوخ في هامش خارج الاشارات وهو يطالبها دعينا نمر ..
..البداية كنت ننتظر عتمات العبور بلوحات فان كوخ الكبيرة في معبر الشاحنات .. والكاتبة تقول لمن ينتظر ..لاتنتظر وإلا سيتحول المشهد الى ذرات نمش فلا يصل ..أصل
وهذه ال (أصل) التالية
تشي بأن الرحلة للكاتبة
لتعبر مع كوخ إلى مرحلة عباد الشمس
من المرحلة الزرقاء عبر اشارات المرور
المرسومة
والمرهونة بزمن يحاصر ويعيق،
وهو ما يحيلنا إلى وحدات فوق واقعية لازمة للعمل وللتفاعل والتنامى، ولرسم الرحلة الصعبة من المدينة بتعقيداتها وقيودها الصارمة
2_
ونحن أمام هذا النص السحري المتمكن بفنية عالية وضبابية مضيئة وعارفة ، وأمام كاتبه تجيد التعبير والرؤى لتجعل من القص لعبا وموسيقى بحلمية من يدير ظهره للعالم الواقعي الخارجي
القائم على تقسيمات ، حوائط ونقاط عبور مايضطر الفنان الحالم الى الاصطدم المر والدامي بذلك الواقع معايشة وكتابة ..
فتلعب القاصة بالنص والزمن ، لتتماهى مع فان كوخ
بزمنه وجنونه بتعثراته والتي طالما أعاقته ونكدت حياته ..
ولا أعرف كم قرات نهى عن تجربة فان كوخ من روايات وسينما ومذكرات لتخرج بهذه التجربة المضيئة والساحرة وهذه القصة مع الفنان الذي ماتزال أعماله سحرا
ولأستعر للتوضيح وما يضيء مايدل على الوحدات الثلاث من سقوط الثلج في قرانا ..
الثلج الذي يفاجئنا شتاء ، ويتوق الأطفال والكبار والنساء بخاصة لتذويبه على الشفاه فيتصدى كبارُ السن لذلك بالقول :
القطفة الاولى سُمّ
والثانية دم
والثالثة كٌلْ ولا تهتم ..
نظرا لماتحمله الهبة الاولى من خطورة ..
ومرض الحمّى عند القطفة الثانية
ثم يأتي السماح والعبور عندالثالثة وقد طَهُر الثلج وصار متاحا
هذه القطفات الثلاث تعبر عن نضج الطبيعة، ونضج رحلة البشر، ونضج رحلة الفن ،
فيا ثلج ياثلج ياطائر العصف والريح برّد دمي.
3_
القصة المرسومة بحرفية عالية ومقدرة
وفق وحدات الزمن في المسرح والوجود والرواية والموسيقا ..
وهو مايمسنا ويخطفنا في فنّها لغة وتكنيكا وتماهيا في فضاء الفن ، والحلم برقص طيور جميل على ضوء الشمس وهارموني اللون والطفولة التي لابد منها لكل آسر وجميل
المرحلة الاولى التحضير ومحاولة العبور مع الشاحنات عند الاشارة الحمراء
وعبث انتظار من ينتظر
ثم وصف لعبة القطار والسكة الملتف حولها القطار كأفعى البوا استعارة من أمير اكسوبيري الصغير في ضياع الزمن.. وشد مفاصل السكة التي ينقصها تلك الروح التي تومض لتصل
ولا يكفي ..حتى
تطالعنا نبوءة تكرار ظهور النجمة لليلتين متتاليتين يعني حسن الطالع ..
هذا المقطع من أجمل أحلام القصة والرحلة
إما الإشارة الصفراء ..
فهي للتهيؤ لمراقبة هجرة الطيور التي..
تصف الكاتبة شعورها :
نشأتُ أحبّ اندلاع رحيلها في السماء فكيف تراها الآن ..
تقول : والتي تتفشّى أسرابها كبقع الزيت ( ولعلها هنا ايضا استعارة من اكسوبيري الذي تعطلت به الطائرة في الصحراء ويضطر لإصلاحها ..شد سكك وبقع زيت ) لكن ..أووه لابدّ من مراجعة كل تفصيلة في القصة ..
تستدرك القاصة على التشبيه وتقول: لايبدو التشبيه موفقا لولا أنّه في قلبي ..شجر زيتون وعرائس زعتر ..
استعارة للطفولة وفقرها وبقع زيت طفولتها التي تتحول إلى طيور رحلة ..
فظيع هذا القص وهذا الحلم وهذه الحرافة في الكتابة ..
وكما تقول عن العبور الذي يمر (بكثرتي وهشاشتي) كثرتها هشاشتها والشعرية المدهشة ..
كل التفاصيل كل التحرزات والذكريات والحلم استعارتها للعبور ولمطابقة مع صعوبة مواجهتها وتحديها مع فان كوخ الذي مر إلى عباد الشمس دون أن يصل إلى وجهات أخرى ..
بينما عبرت هي بين قصيدتين الأولى زرقاء صعبة وبين الشاحنات والثانية قصيدة كما عباد الشمس
..كل ذلك استعارات ذكية وروائية لكاتبة موهوبة ..
هل انتهت الرحلة ..الحكاية السفر في المحطات ولعبة التحولات والإشارات التي استعارتها من سعدالله ونوس المشتعل كنجمة ..
ابدا ..بقيت مفتوحة
على مجهولها الغامض الجميل الذي يلزم القص والحكاية ..او كما تقول : تلك الروح التي تومض لنقع على
القصة التي أضاءتها بسحرها بفنيتها العالية والتي تبشر بروائية من طراز فريد