كتاب: فلسفة الإرادة-الأنسان الخطاء ل بول ريكور / مفهوم اللاعصمة في بنى الواقع اللاإنساني
كتاب: فلسفة الإرادة-الأنسان الخطاء
ل بول ريكور
مفهوم اللاعصمة في بنى الواقع اللاإنساني
نواة الذرة شحنات موجبة وشحنات سالبة، إذا لا نوع يلغي الآخر، الخير مثلا لا يلغي الشر ، بل يطوعه لخدمة الإنسانية عبر إنقاص كمية العنف الممارس من البشر ضد بعضهم البعض ، كي تنقص معدلات الألم في العالم. ص١٢.
بعد هذا المدخل للكتاب ،
سأعتمد في مطالعتي على تساؤلاتي الفكرية ضائفة إليها الفكرة التي دعتني للسؤال:
لماذا ترتبط فكرة الخطأ برموز مثل: الجسد -المادة-الخطيئة الأصلية؟ وفي ص: ١٥ ما يدل على أن الرموز المدعاة للتأمل هي الصراع بين النظام والفوضى( الكاوس) و نفي النفس إلى جسد غريب، سقوط آدم…
يقول المؤلف في تصديره للكتاب : استطاع الشر أن يدخل العالم عن طريق الإنسان ، وقد مثلت رمزية الشر توسيعا للأسطوري الذي طرحه الإرادي واللاإرادي في ص: ١٦ .أين موقع الخير هنا والذي تسعى إليه الأسطورة كهدف قريب ، حيث يكون الإنسان هو الأداة التنفيذية له؟
ويوصلنا ريكور إلى الفكرة التالية: إن الانسان باعترافه بمسؤوليته يسمح بملامسة الأصل الجذري للشر، ويدحض قيامه بفعل الشر عن طريق التخلي. فالانسان هو المكان الذي يظهر فيه الشر ، ويكون في الوقت نفسه منفذا له.ص٢١
وفي معرض نقاشه حول امكانية الانسان ، يحدد أن الانسان وسيط بين ذاته وذاته وليس بين الملاك والبهيمة، وهو وسيط لأنه مزيج قادر على إجراء التوسطات بين كل الكيفيات ، فمثلا نحن لا نشرح ديكارت بديكارت ، بل بهوسرل وهيجل .ص٢٧
إذن يقرر ريكور أن ينطلق من الإنسان ككل ، من النظرة الكلية لعدم تطابقه مع نفسه ، من لاتناسبيته ، من توسطيته التي يصنعها بوجوده.ص٢٩
فالفلسفة لا تبتدىء’شيئا على الإطلاق ،بل هي باستنادها إلى اللافلسفة تعيش’من مادة ما سبق فهمه دون تفكر.ص٣٠ فالبداية هي بداية في الإيضاح تستأنفه ولا تبتدئه.
وأسأل هنا : كيف يمكن بلوغ هذا الفائض في المعنى من دون التفكر؟ ف ريكور يقول: في ما قبل فهمية الإنسان لنفسه غنى معنوي لا يمكن مساواته بالتفكر.ص٣٢.
الارتقاء إلى الوجود هو التوغل ، حركة المحسوس نحو المعقول ، تبعا ل ريكور ص ٣٣. سؤالي هنا: ألا يمكن أن نُضمِّن هذا الارتقاء تقدمنا قي المحسوس والمعقول معا؟ لم على الارتقاء أن ينحاز ومن منظور واحد إلى النفس ؟ ألم يحن الوقت للاعتراف أن هذه النفس تحملها المادة-الجسد ليتسنى لها الاستمرار؟!. ولم هذه الأثقال التي نُحمّلها للنفس كي ترتقي وتجرّ وراءها ثقل المادة التي تنقلها في حيز المكان؟ أليس الكائن كلّي التعدّد؟ عندما يتم الارتقاء نحو الخير ألا ينعكس هذا الخير على المادة نفسها مرورا بالنفس التي قادت مسيرة الارتقاء هذه؟ يقول ريكور في ص: ٣٤ إن رمزية تكون النفس من ثلاثة أقسام كما المدينة ( عند أفلاطون)، إن هذه الرمزية تتجنب الأسطورة ما دام تكوّن هذه الوحدة التعددية غير مستحضر بهدف الارتقاء الذي يقود الكائن إلى الخير.
ويكمل ريكور في كتاب أفلاطون الرابع: ال( تيموس) يشكل مع العقل والرغبة ثلاثيا ، إذ’يتصارع العقل والرغبة ، بينما غضب او شجاعة هذا التيموس هو الوظيفة غير المستقرة والهشة ، وهو الذي يعلن في ( سكون) الروح عن كل أساطير الوسيط. عن دينامية هي خليط بين وظيفتين، وليعبّر عنها في المجاز نلجأ إلى الأسطورة.ص٣٥ .
سؤالي هنا: إذا كان أفلاطون حين بنى مدينته الفاضلة لجأ إلى الرمز ليعبر عن الحد الثالث تيموس، ألا يكون دور الإنسان-الفكر في هذا العصر الإعلان الواضح عن توسيع رقعة التيموس لتضم أمور العقل والرغبة معا، فتصبح الرغبة هي التي تأمر وتمنع والعقل هو الذي يأمر ويمنع؟ بالتالي ما عُبّر عنه بالأسطورة أن يُنقَل إلى وعي الإنسان فترتقي المادة بالتوازي مع ارتقاء النفس؟
وأصل في ص: ٣٦ إلى بداية الإجابة ، إذ يقول ريكور: الأسطورة هي السديمة وعلى التفكير أن يشطرها . ويقول أن أفلاطون لم يخلط بين الشر والوجود الجسدي. وأن في الافلاطونية شرا بالظلم وهو شر مختص بالنفس.
وتأتي الأديان لتعيد بناء الأساطير من دون التفسير الذي يبدأ بتجزئتها ص ٣٧. السؤال هنا: لم تجاهلت الأديان مرحلة ما قبل الفهمية، وانطلقت من ما بعد الفلسفة، أي تجاهلت مرحلة الانتقال من اللاعصمة إلى مرحلة التفكر الأخلاقي الذي جعل هذا الخليط يترسب ك ( جسد) وك ( ظلم) ؟
ويكمل ريكور في تحليله، فيقول أن مبدأ الكثافة يبرر للكائن طموحه و( إيروس) النفس المتفلسفة هي الهجين بامتياز. مما يدعم السؤال لإعادة التفكر ومساءلة الأديان ؟! ويتمثل هنا هذا المبحث في فكرة( كانط) فإن إيروس لديه، هو قانون لكل عمل يكون غنى المعنى وفقر الظاهر الخام . …كل عمل يولد من الرغبة وكل رغبة هي في آن غنية وفقيرة .ص٣٧
وينتهي ريكور إلى خلاصة أن الإنسان يعرف مسؤولية نفسه: فيقول أن من الشر أن يكون الإنسان حافل بالأخطاء ، لكن الشر الأكبر أن لا يعترف بها.ص٤٢ لكن خطأه ليس مرده إلى الجسد نفسه، بمعزل عن التجسد الذي حصل للنفس قبل بلوغها ذلك الجسد، الخطأ أو كما أحب أن أعرّفه الواقع أن الانسان هو الوسيط بين العدم وكل شيء ، إذا هو الهجين أو الخليط ومنه يجب أن تنطلق الأسس التفكرية .أي أن ما قبل نقطة الانطلاق من العدم هناك ما لم يعرف وبعد اللانهاية لا مجال لمعرفته. فيصبح الدور المناط بالإنسان هو توسيع منطقته الوسطية هذه وليس تحجيمها.
وفي تحليله للمنظور المتناهي يذكر ريكور تعريفا للتفكر فهو السيطرة على هذا الحضور في خطاب يعين عن طريق التسمية ويربط عن طريق الجمل المنطوقة .ص ٤٨.ويتركز الإدراك في لا تلاؤم المدرك نفسه ، حسب ريكور ، أي في هذه الخاصية الأساسية للمعنى الذي’يظهر فيمكن في اي وقت نفيه أو تأكيده. هذا التحليل القصدي للاتعادل هو الذي’يعبدني من الموضوع إلى ذاتي كمركز نهائي للمنظور. ص ٤٨وفي العودة إلى تفاعل الجسد الذي لا يعرف ك ( كيس جلدي) يقول ريكور: جسدي يجعلني أخيرا منفتحا على العالم، عبر قدرته الاستيعابية للعالم، في الأشكال المعروفة في هذا العالم الذي يتحرك جسدي في أرجائه، في نتاجات العمل والفن. يصبح جسدي عندها وسيطا للوعي القصدي .ص ٤٩.
وفي بحثه عن الفعل اللامتناهي، يؤكد ريكور أن سعة او مجال الإرادة هو مجال بلا نهاية.ينبثق سؤال عكسي هنا: أليست الإرادة تسبق المجال في طبيعتها ، مما يجعل المجال متسعا ؟ أي إن تجاوز الإرادة للمجال يستحثه على الاتساع للحاق بها؟ص٥٦
ومن أجمل ما عُرّف به الزمان يقول ريكور: الزمان أليس هو المزيج بامتياز؟ أليس هو الشرط لكل تنوع معاش؟ كل مفاجأة ، كل تلاقي ، كل لاتماسك، كل تجدد، كل ظهور، كل قطيعة،؟ باختصار أليس هو أساسا متراخيا؟ ويقول كانط:( أنا أصنع الزمان نفسه في إدراك الحدس) ص٧٨
نقطة الصفر، مركز المنظور، الأحساس بالوجود هو ما خلص إليه ريكور حين بحث في الطبع، والذي لخصه ب مظاهر التناهي العملي ، ولن يجعل منه شيئا أو قدرا .وأسأل هنا: الاحساس بالوجود حين أوجهه باتجاهي يكون الوعي، إذا ما يكون حين أعكس اتجاه وعيي؟
هذا النمط من الأحساس ( أني أجد نفسي بخير او بشر) يضفي على الجسد المدرِك ، على وجهة النظر ، سماكة هي العمق غير الحقيقي للوجود ص ٩٥ ، بإحداث إرادة قصدية للرغبة هل يصفو الوجود أمامي؟
هذا الاحساس العميق بالوجود تبعا لريكور يكشف أن جسدي هو شيء آخر غير حرية العبور للعالم ، لم يعد توسطا خالصا بل مباشرا لنفسه فيغلق بذلك انفتاحه القصدي. وإذا لم يستطع أيضا أن يكون مباشرا لنفسه .يحصل انغلاقه العاطفي ص ٩٦ ويتابع ريكور : رغبتي في البقاء تصرخ في : ابق عزيزي ، وجهة نظري التي لا تعوض، ذلك هو التناهي العاطفي.
معارفنا هي أيضا نوع من الجسد النفسي.٩٨
ويستعير ريكور من ( نقد العقل العملي) التالي: إن وعي الكائن العاقل لمتعة الحياة ، هو السعادة، واتخاذ السعادة كمبدأ أعلى لتحديد الخيار الحر هو حب الذات. ويضيف معتمدا كانط أيضا: أنا حامل غاية العقل القصوى. انسجاما مع هذا أستمر في وجودي، مما يترجم عمقي في رغبة السعادة وليس رغبة اللذة، ص١١٢-١١٣ وأسأل هنا : ماذا لو فعّلت هذه الغاية القصوى؟وقبل أن يصل ريكور لطرق باب التبادلية بين المعرفة والشعور يستنتج أن : الذات تكون تطلعا أكثر مما هي معاشة. ص ١١٥ وفي معرض تحليله للهشاشة العاطفية يعلن أن المعرفة تشكل تثاني بين الذات والموضوع ، أما الشعور فيفهم بالمباينة ككشف لعلاقة بالعالم الذي يصوب باستمرار ارتباطنا، تلازمنا وانتماءنا بشكل أعمق من كل قطبية أو تثان. ص ١٣٥ .ويصل بنا تناوله لهذه العلاقة التبادلية إلى فهم ديالكتيك الشعور والمعرفة ،ففي حين أنه بالتمثيل نضع المواضيع في الجهة المقابلة لنا ،فإن الشعور يؤكد التئامنا ، انسجامنا ولا انسجامنا الاختيارين تجاه الحقائق التي نحمل في داخلنا نقشها العاطفي على نموذج ما هو حسن وما هو سيء .ص١٣٩ ويحدد ريكور كفرضية لعمله ويختبرها متناولا موضوع اللذة ، يُظهر وجودها بحالتين: الأولى تنجز أعمالا أو سياقات معزولة جزئيا ، متناهية تلك هي اللذة أما الفاهمية فيعود لها إكمال العمل الكلي للأنسام ، تلك هي نهاية التوجه والمصير، مشروع وجودي فتصبح هي السعادة .ص١٤٥ وقد مثلها أرسطو في أخلاقياته: ليس خبث اللذة هو ما تتجاوزه السعادة ، بل كمال اللذة . ص١٤٦
وفي ص: ١٥٨يقول ريكور: الشعور هو أكثر من هوية الوجود والعقل في الشخص، هو انتماء الوجود نفسه إلى الكائن الذي’يكون له العقل فكرا. … هذا الشعور الأساسي ، هذا الايروس الغريزي ، هذه المشاعر المسماة روحية لم تعد قابلة لأي اشباع متناه ، فهي تشكل قطب اللاتناهي في حياتنا العاطفية .هذا التشيم يسير باتجاهين : اتجاه مشاركة ما بين إنسانية بال ( نحن) واتجاه مشاركة بمهام ما بين إنسانية ( أفكار) .
ويعطي مثلا عن الاحترام في فكرة : الملك -السلطة-القيمة. فإذا كانت الانسانية هي التي أحترمها في الآخر وفي ذاتي ، مما يعني أنني أحب نفسي كآخر، هذه الغيرية المرتبطة بشعور التقييم تصنع الفرق بين احترام الذات والالتصاق بالحياة . والقيمة ليست منظورة ولا معلومة ، بل معتقدة . أنا أعتقد أني أساوي قيمة بنظر الآخر الذي يتقبل وجودي . في هذا النطاق هذا الآخر هو أنا.هذا التقييم المؤثر هو أعلى درجة يستطيع وعي الذات أن يصل إليها في التيموس . ص١٨٧ فإلى تكوين المفهوم العاطفي نلجأ ضمنيا عندما نحاول أن نفهم الآخر أو نفهم أنفسنا: لأنه ليس الآخر وليس أنفسنا ما نفهمه ، بل مضمون الاعتقاد ، فكرة شعور القيمة الذي فيه يتكوم الأنت والآخر . ١٨٨
وكنتيجة لما سبق ، يستخلص ريكور مصطلح الترنح الوجودي الذي ينبثق من التأمل بين الولادة والموت.ص٢٠٨ ما يستدعي تسميته ب اللاضرورة الحية للانوجاد ،
وهو ما يعاش في النمط العاطفي للحزن، وهذا الحزن متناه، ويتغذى من كل التجارب البدائية التي تسجل السلب : فقدان،خسارة، خشية، أسف ….
اذ ذاك تصبح تركيبة الانسان ذلك المزيج من الاثبات البدئي والسلب الوجودي ، والانسان من حيث هو وسيط لذاته يصبح هشا بذاته .مما يدفعه ألى اسقاط هذه التوليفات في الفن والابداع ( غوته) ص٢١٠و التعقيدات تجعل الشر ممكنا ، وتكون اللاعصمة عندها فرصة، النقطة الاضعف على المقاومة حيث يدخل الشر إلى الانسان.
تصبح اللاعصمة امكانية خالصة دون حالة السقوط.وحالة السقوط ليست ممكنة من دون البراءة ص٢١٥. والقول بان الانسان خطاءيعني اللاتناسب، اي ان المحدودية الخاصة بالكائن هي الضعف الأصلي الذي ينبثق منه الشر. لكن ألا يحتاج هذا الموقف لأمر ملزم له أي القدرة على الشر؟!ص٢٢١
ويصبح السؤال الملزم : ما العمل للتخفيف من فعل الشر؟
حكمت حسن البنية / شاعرة و ناقدة
تحياتي لك وللمشرفين على الموقع