أدب وفن

الملهى …قصة قصيرة بقلم الشاعرة والإعلامية ايمان منتصر / مصر

الملهى
قصة /إيمان منتصر

قررت أن أقبل دعوة صديقتي منال لسهرة من نوع مختلف عما اعتدته من مشاهدة فيلم أجنبي أو قراءة كتاب أو مقابلة أصدقائي بأي كافيه نحكي عن آخر صيحات الموضة وحكايات البنات.. فقد مللت من تلك الحياة وأريد تجربة شي مختلف. ما هي العواقب؟ لا أدري ارتديت فستانًا اسود طويلًا مشدودًا من على الخصر بحزام من نفس اللون، والفستان منقوش باللون الاسود الرائع، وضيق بدون أكمام مكون من قطعتين، القطعة العلوية بدون أكمام قصيرة كاشفة للذرعين، ومن الأسفل شيفون انسيابي ناعم.
وضعت بعض مساحيق التجميل واستخدمت قلم الشفاه الأحمر.
قمت برفع شعري عاليًا وتثبيته ليبدو الشكل أكثر ملائمة.

الساعه الآن الثانية عشرة مساء
اتصال من صديقتي: هيا أنا أنتظرك.
نزلتْ بهدوء خشية أن يشعر بي أحد، أتلصص الأصوات يمينًا ويسارًا خوفًا من أن يشعر أبي بأني سأخرج في هذا الوقت. نزلتْ السلالم مسرعة، وجدت سيارة صديقتي بالانتظار.
يا له من شعور غريب تتضارب فيه كل المشاعر!
تشعر صديقتي بارتباكي تحاول تهدئتي: لا تقلقي أنا معك.
وصلنا إلى أمام باب الفندق، دخلنا المكان، طُلب منا نزول بعض السلالم الخشبيه المؤدية للدور السفلي، نستمر بالنزول حتي أجد بابًا مصفحًا كبيرًا. فتح الباب، لم أر سوى ضو خافت.
أدخل مع صديقتي وصديقها، أرى الكثير من الناس، لكنني لا أستطيع بسهوله تحديد ملامح أحد من تلك الكرة الدوراة التي تنير المكان بطريقة مستفزة للعين. كان هناك عدد من البنات العاملات في الملاهي الليلية من جنسيات أجنبية وعربية ممّن أكملن سن الثامنة عشر.
كان صديق منال قد حجز لنا أول مائدة على “البست” كما يسمونه. كان هناك الكثير من الفنانات المغمورات.
تخبرني صديقتي أنه أفضل “ديسكو” علي الإطلاق.
أجلس في دهشة مما حولي.
يأتي النادل يصف أنواع الخمور.
ما هذا؟ لكني لا أتناول تلك المشروبات.
منال: لابد أن تشربي شيئًا.
إذن سأطلب مشروب الطاقة! هو مشروب طبيعي كنت أتناوله أثناء الدراسة لأبقى مستيقظة أثناء فترة الامتحانات.
ينظر لي النادل باستغراب، ويذهب. أنظر يمينًا ويسارًا خوفًا وترقبًا، وأيضًا شغفًا بما يحدث حولي.
فجأة تخفت الإضاءة أكثر.. شاب يحتفل بيوم مولده لكن بصورة أشاهدها لأول مرة؛ كان يقف وحوله أكثر من عشرين فتاة يرقصنَ معه بزجاجات البيرة في أيديهنَّ وأفواههنَّ، وملابسهنَّ لا تكاد تخفي ما تحتها.
الجميع يرقص ويغني بصوت عال، يلفني الحماس وتشتعل رغبتي بالرقص، اعتلى المسرح رجل وامرأة أخذا يرقصان بشكل مبهر، متنغامين ورائعين، تمنيت أن يكون لي حبيب، ويكون معي كي أستمتع بتلك التجربة، فجأة جاء رجل ليجلس معنا، رحبت به كما فعلت صديقتي، أخذ يدي ووضع قبلة عليها، غضبت بشدة، كيف له أن يفعل ذلك، لم أعتد أن يقبل يدي أحد، أشعر بالخجل، أنا امرأة لا تملك القدرة على الاندماج بالمحيط الخاص بها بشكل جيد، كما أنَّني لستُ جريئة بما يكفي للاندماج مع الآخرين والتعامل معهم، ودائمًا ما أكون حذرةً جدًّا في التعامل مع الناس.
قال: ممكن نرقص مع بعض؟
قلت له: آسفة جدا.
انزعج، وأخذ يشرب بسرعة. شعرت أنني سببت له إحراجًا، لكني لا أهتم فهذه حياتي. بدأت الموسيقى تزداد بداخلي، وتعزف علي أوتار روحي، قلت لنفسي: سأرقص لكن دون أحد!
وأخذتْ أرقص وأرقص.. ماذا أقول للطيور التي تسكنني، وفي أجنحتها جوع للتحليق أبدًا؟!
أنظر حولي، وأتذكر كل قائمه الممنوعات بحياتي، لكن كل ممنوع مرغوب ينهش فينا، فتيات يلبسنَ ما يحلو لهنَّ، يرقصنَ دون خوف من أحد، والبعض يتبادلون القبل، وأنا أحدق بالجميع في ذهول؛ أين أنا وما الذي أفعله هنا؟ رغم روعة الرقص، وما يتركه في أجسادنا وأرواحنا من سعادة، لكنه يمنحنا فرصة للتوقف عن الركض في سباق الحياة، والتساؤل عن معنى الحياة ذاتها، عن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، عن معنى السعادة والتحقق والتصالح مع الذات، يمنحنا كذلك فرصة لسماع أصوات أجسادنا والتعرف على ما يؤلمها.
كنت أعلم أن البشر الرائعين خلاياهم تتجدد كل أسبوع بسبب رحابة صدورهم وحسن نواياهم وبراءة اعتقاداتهم، أفكارهم الإيجابية التي تنعش خلايا أجسادهم، مما يدفع بتلك التالفة إلى الموت، ومن ثم الذوبان والخروج على شكل غبار يطرحه الجلد، أرواحهم المتسامحة والمرحة التي تضخ السعادة إلى أدمغتهم فتترجمها إلى ابتسامات دائمة مع العدو والصديق، نفوسهم الدائمة اللوم والعتاب لنفسها على كل كبيرة وصغيرة ظنًا منهم أنهم المقصرين دائما في حق الآخرين، فيسعون وراء كسب مودتهم، علامات الرضا الظاهرة على وجوههم حتى مع ظلم العباد لهم متخذين شعارهم أن أكون جميلًا من الداخل والخارج…
فجأة شعرت أنني ارتكبت خطأ فادحًا بوجودي بذلك المكان برغم حالة السعادة التي أمارسها بالرقص، وانتبهت لصديقتي، كانت قد أسرفت بالشرب، وبدأت تترنح.
أسرعت إليها: منال أرجوك كفاية!
كانت بحالة غريبة، أخذني الخوف، فطلبت من صديقها أن نعود، كانت لا تستطيع الحركة، شبه فاقده للوعي، وضعت يدها على كتفي حتي خرجنا إلي السيارة، أجلستها بجواري.
كان صديقها متوترًا: هل ستكون بخير؟
قلت: نعم نعم.
أسرع بالسيارة، طلبت منه التوقف بجوار أحد الكافيهات، وأحضرت لها قهوة، شربت حتي استعادت وعيها، فانطلقت بنا السيارة، كان نسيم البحر يحرك خصلات شعري على أنغام أغنيه فيروز “شط اسكندرية يا شط الهوى”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى