باقة من قصائد العلامة الشيخ حسين أحمد شحادة

ترميني بوردة ذابلة
والليلة الثانية للحجر
تستعدّ لفتح دفاترها القديمة
هل هنالك فراغ أشد غموضاً
من فراق الوطن
لو أستطيع فتحت هذا الزقاق المقفل
لو أستطع عفوت عن النساء اللواتي
يلدن أطفالاً من حكايات الفراغ
يحاصرني الوقت
يا مجهولة العنوان
من دلّ ألاطفال على بابي
فكسروا بصراخهم نافذتي
وفضحتني الوردة الذابلة
نهشتني الوحشة
في ليلتها الثالثة وانتظاري طويل
من مبنى إلى مبنى
تصيحين هيت لنا
وثالثنا الحجر القسري
سيدتي
لكنّ الأرض ليست لنا
ماذا غرسنا في الأرض
وسمائي لا تومض من بيننا
فارجعي لي بيتنا
وارجعي لي سفر العشاق في يوم الأحد
كبرنا يا جارتي
زلّت بِنَا أقدامنا
وانمحت أسماؤنا
على أمد النجود
حبيبتي يا أول من رأى لون عينيّ
يا ظل روحي
وَيَا قمري الأبدي من شرفة المعنى
تقولين : يكفي أننا لا بدّ منّا
وهذا المحيط إلى الخليج لنا
أنا لعينيك أنا لك
تشققت أصابعي وأضلعي
والمساقات الغريبة تراوغني
لا تقترب من دمنا
وانطوت من حولنا أندلس
ليس على بحرنا طنجة
وهذا النهر لا يصبّ على هواك
وألبستني سؤال الغياب من أنا ..؟
أحبك يا فاديتي حين تقولين : لنا ولنا
لكنهم سرقوا أحلامنا
فماذا سنفعل في غدنا
وما زال ينقصنا لنا ..؟
كلمّا ضاع في منفاي حبّ
وجدتني بلا قمر
كأني لست أنا
ولَم أجد أحداً هنا
يا ابنة الحب
والرحمة المهداة
علمينا لغة الحق وصدق الرؤى
واكتمال الدين في اجتماع الكلمة
وعلمينا يا ابنة الطهر من آية الطهر
شروط النهر بين الضفتين
وعرّفينا
كيف انحنى الكون لإسم
هو أنت بألف نجمة تزهو على قدميك
ويذهلها من حزن عينيك
نزيف الضوء في المصباح
رحماك على مدّ الآه
فقدنا أبصارنا والأرض والروح والبوصلة
يا ويلنا والجاهلون نقضوا العهد
والغاربون نفثوا حمم التاريخ
كي لا تدور الأرض على سرّك
كمثل الوحي يسري إلى قبلته
من البيت إلى البيت
في أمة واحدة
في اليوم الرابع
من اسبوع الحجر
وأنا في ضنك من قلة النوم
كنت في طريقي
إلى وصف الطريق المؤدي
إلى فراق الأشياء
وعلى مرمى ضحكتها
كانت مقصوفة الوقت
تسدل الستارة الرمادية
بموال عراقي حزين
وقلبي هذا العاشق المحارب
لا يواتيه الظلام
لا عطر للمطر يا سيّاب
والقمر المتساقط على أحزان شرفتي
يختصر الغياب
طوبى للتي نسيت إسمها على يدي
وعلى دفاتري وعلى مرجان القلب
فالتهبت كما يلتهب القنديل الأحمق
تحت أغلاط الشتاء
وطني قاحل
وطني سراب
فإذا اتحدّ الصمت بالفراغ
وانكسرت خطاي خلف خطاك
سأنزوي على ليلة ترعى نجوم السماء
وأسلم ذراعي للدجى
لنوء الزمن
للجسر المكسور بجرح الكبرياء
وأنادي أفردتني اللغة العارية
والشعارات العارية
والحروب العارية
يا لهذا العمر يشدّ وثاقنا
لم نلتفت كان الفراق أبكماً
وكان كمثل الخواء يدور حولنا
وخرائطنا في مكان بعيد
تمشي على ملامحها الدماء
وكنت سيدة الصمت
وخسوفي بين طيفك والهوى لهفة مقمرة
هذا أنا سيّد الصمت
والصمت يا حبيبتي تابوت النسيان
ولسان حالي :
ذبلت شفتاك من دفء الحنين إلى صوتها
من أنت ومن أنا ..؟
أرأيت يا شريدة الوطن القتيل
كيف صارت بيوتنا أكفاناً للرحيل
تشتّت !!؟ كل تاريخنا قطع من شتات
نسميها وطن ….
في اليوم الخامس والسادس
من أيام الحجر في شهر القهر
صعدت من صدري أوجاع التاريخ
وأنا كأني قادم ومشعشع بالنزوات
أضرب بالرمل بغبار قريش
شغلتني داحس والغبراء
ومعارك الأوس والخزرج
وحروب الردّة وثورات الزنج
وملء جهاتي العربية
رايات المغول وسيوف الافرنج
تلمع بفضائها السفلي
وترّج من هاتفي الأشباح
حرباء تأخذني بالهمز واللمز
إلى زواحف من حرابي الجيوش الاليكترونية
وفِي مذياعها أبواق سوقية
وأبواق مدرّبة بتفاصيل الشيطان
على إطلاق نمائمها
تتغامز كالشهب الغجرية
بالأكاذيب وانتحال الصفات
بشعوذة يطلع من ملحها السكر
جيوش من ذباب الضوء والبعوض
تطفو على رأسك كمثل الاحتلال
في آخر أغانيه
تختفي وتظهر
تقتل الوعي في اللغة وترقص على دمي
وتنتشر من ماض إلى حاضر بمزامير الفتن
كما لو أن لعبة الضوضاء انتصرت
على ضوء المعنى
لا تعرف من أين وكيف
تسقط عليك نيازك التكفير واللعنة المرجفة
أعراس لا تطربها فاتنة الحيّ
وجنازات فضيحة
ودارت كل الأيام عليّ
وأنت ما بين اختلاق واختلاق
تقاوم قراصنة الحرب الجديدة
تبحث عيناك عن عينيك ألف مرّة
في مشهدية بصرية تغتال الحقيقة
هذا هو الفصل الأخير
من نهايات الشرق الملّون
بالعيون الزرق وأسمائه المستعارة
وأنت غريب يخاصمك الجميع
على مرأى الجميع
ولا أطيل
مات السلطان فبكى عليه الزمان
من أوله إلى آخره
وحين ماتت سيدتي الأمة
لم يبك عليها أحد
تمادت خطايانا في إطراء الظلام
وتمادى الإفك في مديح البهتان
حبيبتي
فلا تشقي قميصي الرمادي
لا بدّ في الطريق إلى قلبي المطمور
تحت الرماد
من قمر يكويك ويكويني
ومن حلم يقرص جلدي
كل تاريخنا البهي
كل تاريخنا الخفي يسكن فينا
أوائل ضد الأسلاف وأمواه ضد الأمواه
وقبائل ضد الأوائل يغزو بعضها بعضا
وفِي عزّ موتنا الهستيري
وفِي عز هذا الانتحار الحضاري
سيأكل الغريب لحم الغريب
ونشتعل في وقد الحفرة ذاتها
يا نحن الخوارج على وطن
يا نحن المريدون والمرتدون
ويلاه وارتبكت فوق أغصاني
طيور الرحيل
قوافل المنفى لا تهتدي إلى مكان
تجمع أشلاء فلسطين
وتلتقط الصور