أدب وفن

حارس بليد / قصة قصيرة / الكاتب و القاصّ محمد حسين

حارس بليد …. قصة قصيرة
نهار روتيني آخر كسابقاته تبدو الأيام خارج التصنيف الزماني بالنسبة إلى سامر الموظّف في مؤسسة البريد،  يستقيظ صباحاً يتناول ما تيسر له من الطعام يتمتم احتجاجاً على معيشته وينطلق لينضم إلى طابور المنتظرين على وسائل النقل، يدخل إلى مبنى الدائرة يتوجّه إلى غرفته التّي يشاركه بها بعض زملائه، يلقي التحية عليهم يجلس خلف طاولته يتناول الجريدة اليومية يباشر بحل المربعات( أن شاء الله تكون صعبة حتّى يمضي الوقت ) يحدّث نفسه، كلّ شيء مرتب هكذا منذ سنوات في حياته لا جديد فيها، زميلته ماري الجالسة على كرسيها تعبث بالأوراق تحتسي القهوة مع بعض زميلاتها لتفتح حفلة قراءة الخطوط في فنجانها  علها تحصل على خبر في زيادة راتبها المتآكل أو عريس غفلة فقد تقدم بها العمر كثيراً وأصبحت على مشارف الأربعينات،
زميلتها؛ أتوقع أن يدق بابك عريس في فترة قريبة تقفز من مكانها كأنها تعرضت للدغة أفعى كيف ومتى أخبريني؟
زميلتها :اهدئي كنت أمزح معك،
ماري: أيام الخير لم أرَ العريس فما بالك بأيام القحط هذه حيث الراتب لا يكفي لإيجار شقة سكنية متواضعة هذا غير المصروف حدّث ولا حرج حتى الطعام أصبحنا عاجزين عن تأمينه أخشى أن يصبح من الكماليات ويصبح شهر رمضان لدينا شهوراً ،
سامر يصغي إلى الحديث وقد أطبق على شفتيه الصمت يأخذ نفساً عميقاً من سيجارته التي سيودعها قربياً بعد رفقة دامت عشرات السنين بسبب عدم توفر المال الكافي لشرائها،
ماري: لماذا لا تشارك يا أستاذ سامر بالحديث وتبدي رأيك…
سامر: كلّ شيء يتغير بسرعة وأنا أصبحت عاجزاً عن تفسير ما يجري أخشى من جلطة مفاجئة إذا تحدثت..
ماري: الجلطة نعمة من الله هذه الأيام أفضل من الموت كل ساعة مع وقف التنفيذ…
سامر : نحن ندور في حلقة مفرغة أسئلة بلا أجوبة،
لماذا لا نفكر بطريقة اللامبالاة وإدارة الظهر لكلّ شيء وتجاوز كل شيء وتحطيم كل شيء ونستمتع بالوقت الهارب من سواطير الحياة كلٍ على طريقته…
ماري: أنا ليس لديّ ما أخسره إذا سلكت هذا الطريق لكن كيف؟
سامر: اقتلي الحارس البليد الموجود بداخلك أولاً لتستطيعي تحطيم الحارس المنافق الجالس في الخارج، علينا أن نبتكر الطريقة المناسبة لتحطيم الحراس لتلامس أيدينا أطراف أقدام السعادة المنشودة وإلا سنبقى رافعي رؤوسنا للسماء ننتظر زخات من السعادة التي لن تأتي أبداً إذا لم نبادر نحن…
ماري: سأحاور الحارس البليد الليلة وأخبرك غداً …
سامر: يطلق قهقهة طويلة حتى تخيل بعض الجالسين أنه فقد صوابه، منذ عقود ونحن نحاور ونتوسل ونتمنى والنتيجة صفر، أنتِ ستكون نتيجتك عشرة تحت الصفر، ألم تلاحظي أن مفكرتنا السنوية بيضاء…
ماري؛ لماذا  ؟
سامر: لأننا أصبحنا خارج الزمن منذ عقود أتمنى لك التوفيق في حوارك المزمن….

*كاتب و قاصّ فلسطيني مقيم في دمشق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى