أدب وفن

بيضاء اللون / قصة قصيرة/ بقلم الشاعر إيلي جبر

بيضاء اللون

كان الزمان شاحباً والخمرة تسقي اهداب الظلالِ الطويلة الطويلة .
السماء التي استلّت لونها الأوحد برذاذ من اللامكفهّر الاسود ، بدأت تطلّ على فوّهات النوافذ المشرِّعة افكارها على ما يجري في ظلّ الغياب وعتمة الدسّ الحالك
احسَّت المِطرة بخوفٍ شديد هي التي لم تعرف فنون الخوف والرعدة .
النبي المختار حبيب الله وصفيّه
ترك ارض الساحل ليختلي في الجبل الأوحد في متنسَّكه الأبعد ، وظلّ هناك ، شهران مرّاً على غيابه وبات القفر ينادي سيده ، وأعناق الدوالي تصرخ للفادي وغروب الحصاد يدعو سيد الجنى ، والسيد بعيدٌ بعد ليلٍ ونهار بُعدَ الليل والنهار ، والسيد السيّد لا يعرف الأسفار ولم يركب يوماً بحراً .
ظلّتِ المطرةُ تسير وتسير حتى أعياها المسير في ليل الأشواق والأماني .
بالامس كانت نشيداً ساح من غفوته ، بالحبورِ والسعادة تصحو من سكرتِه
وجاء النبيّ فما عادت تعرف أُلفتهُ
ولم تعد تطلب نظرتهُ ولم تبقي ستراً لرحمته .
العاشقة بوله الريح في الوقت بغمامة الندى في الصمت تلك التي رسمت كلماته عن ظهر قلبها وحفظت آياته على احرفٍ لامعة في وجدانها …
الليل الذي سجّى الاحلام ، الليل الذي اناط اللثام ، الليل الذي يرى الانسان يقلقها.
فلجهة الليل تصرف الطريق وتطوي صفحات المدِّ الرقيق
الى غياهب النسيان ،
تخشى على الرجل الضياع والجنون صوب الابداعِ رفيق
وتلك الكلمات الخالدة التي حفظت آياتها الطوال واسرار افكارها وحبكة معانيها ، تخاف من الليل ان يمحوَها وان يزيلَ حاملة الأسرار .
تلك الحكمة التي اسرَّتها اليها الهةُ الحسن ساعة التصوّر
وتلك الحقيقة التي ولدت ساعة التكوّر وتلك الآبدة ساعة نطق الرحم بتهلل .
الحقّ والخير الجمال والبشاعة الظلّ والأصل الفقّاعة واللؤلؤة
الكلمة والمنطق
الخلايا والمنطوق
النظم والشعر والفلسفة
وكلّ ما تحمله تلك المرأة التي لم تتمخض ولكن من ذرَّة السراب الخالد حبرِ الكلمات النقية كلماته البيضاء التي حملتها في كلّ ذهنها واحشائها كأنها تمخضها لولادة للكون لكون جديد جميل ، عابق الأثير للنور داهم الظلمة بسرِّ الحبور طالعٍ من خلف الاجمةِ بنور ، والنور هدي وألنور سعف نخيل وآهات الكهول وزغاريد النسوة .
تخشى من الآلهة ان تنتزع تلك الكلمات التي خرجت مِن بإذن النبيّ الى النور ان تتلاشى في ديجور الوهن والظلمة .
لا ستكتب هذه الآيات لتحفظ منها كل الابيات للجيل الذي يلي الجيل الى جيل الأجيال الخالدة .
لم تبلغ الاجمة بعد ولكن ما خلفها هو ما يرعبها وكم خلف الاجمة من أسئلة لم تسألها بعد
وتنتظر بفارغ الشوق ان تستجاب طلبتها .
سيبقى النبي هناك …
هذا ما تعرفه وما ينبؤها به حسُّها وكيانها . هناك ستبقى الأسئلة والأجوبة مؤجلة اللقاء الى مئة عام الى الف عام والف مئة عام والى انقضاء الدهر .
تنظر من بعيد حلم ليلٍ تطويه حلم غمامة بيضاء اسوارة عروس بيضاء مرصّعة بحجار ياقوت او اغلى : كلماته التي حملتها في قلبها …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى