أدب وفن

“السلطان العاري “آخر الرهبان “الكفيف” مجموعة قصائد بقلم الشاعر عصمت حسّان

السلطان العاري

قلبي اعتصرتُ فكان الخمرُ أشعاري
أسقي العناقيـدَ رفقاً
شهقةَ النارِ

وأسكبُ الحبرَ فوق الريحِ مئذنةً
تعطي النواقيسَ
من نبضي وإيثاري

وأولمُ الحرفَ للعصفور سنبلةً
وللنوارس أهدي
فضلَ إبحاري

من أول الدهر قلبي كان بوصلةً
إنْ ظلّ جنحٌ
يكونُ الشـطُّ في داري

أعلّمُ الحبوَ للأشجارِ أطلقها
سرباً من الشوقِ
صارت دربَ أسفاري

ما كنتُ إلا لكلّ الناسِ أرغفةً
أولمتُ روحي
وقنديلي
وأزهاري

أخاصرُ النسمةَ العَليا
أراقصُها
كلُّ الأراجيحِ
تغريدي وقيثاري

وكنت أحسب هذي الأرض واحدةً
والناسُ فيها
حنين الجار للجارِ

ويكثر الصدقُ والأخيارُ
في بلدي
والطيبون بكل الأرض زواري

ويحكم الناسَ عدلٌ
والضيا قُبَلٌ
وليس يُقبَلُ فينا الفاتكُ الضاري

كنا كسربٍ من الريحانِ
يشتلـُـنا
في مهجةِ الأرضِ
قانونُ الوفا الساري

حتى اكتشفتُ
وحوشُ الغابِ حاكمةٌ
والفاسدونَ كسيلِ الفتنة الجاري

والراكبونَ عروشَ الحكمِ كوكبةٌ
من أقبحِ الناسِ
من أحفادِ سمسارِ

والسارقون رغيف الشعبِ من زمرٍ
قد أودعوا الناسَ
في ذلٍّ وإتجارِ

وحولوا العدل خلخالاً لغانيةٍ
باعتْ وبِيعتْ
لمقرودٍ ومكّارِ

إن قامَ صوتٌ يريدُ الثارَ في وطني
قصّوا اللسانَ
أراقوا دمعةَ الثارِ

أو ضجّتِ الناسُ شكوى
أطلقوا هُبَلاً
يصيحُ ثوارُكم من نسلِ كفّارِ

إفكُ الملاعينِ قد أرسى بنا وجعاً
رعباً من الجوعِ
من ذئبٍ
وجزّارِ

والناسُ لو نهضتْ صوتاً وأفئدةً
تزلزلُ الأرضَ
يا سلطاننا العاري


آخر الرهبان

هل في بيوت الفاسدين
مرايا ؟…
أم أنّ أقنعة الطغاةِ عديدةٌ
وضميرهمْ مسـحَ الخطايا ..

هل في محاجرهم عيونٌ
كي يروا
أحزاننا
نحن السبايا

هل يسمعونَ أنيننا حين المذلّةُ
تجرحُ الآمالَ
تغتالُ النوايا

هل ينظرونَ إلى الشوارعِ
حيث تُرتكبُ الشرورُ
وحيثُ تنتشرُ الرزايا

هل صدقوا حقاً بأنهمُ
الفوارسُ
حين صار الشعبُ أوهنَ من مطايا

أنا لا ألوم السافلينَ
ألومُنــا
حين انسحقنا
وحينَ بعنا صامتينَ
جميعنا كلَّ القضايا

أستحضرُ الأرواحَ
هذا الشعبُ ميْتٌ بانتظار الدفنِ
يا بئسَ المَنايا

أستحضرٌ الماضي السحيقَ
وأنحني للحبر
تاريخي ورايا

لا أنثني أبداً
كجذع الأرزِ ميثاقي
وهذي الأرضُ أغنيتي
وأوتاري معايا

أشتدُّ مثل الريحِ لو سرقوا
غصونَ الروحِ
أمنحُ جنحَ قافيتي طيورَ العزّ
أصدُقُ في هوايا

أنا طائرُ الفينيق
يشبهني
وكفّي جمرةُ التحليقِ
أسندُ لو تميلُ الأرضُ بالشعر المعاندِ
قبةَ الإيمانِ
أبتكرُ العطايا

أنا آخرُ الرهبانِ في حقلِ السنابلِ
أمنحُ الأضلاعَ أرغفةً
إذا جاعتْ عصافيرُ القصائدِ
بئرُ صمتي منتهايا

أنا حينما أمشي على خطّ الفجيعةِ
أحتسي كأسَ الشهادةِ
أكسرُ الأوثانَ في كل الزوايا

الشعرُ سيفُ العارفينَ
ونزفهمْ
وإذا صمتُّ عن الصراخِ
يكونُ في شعري سوايا .


الكفيف

القهرُ سـادَ وعمّتِ البلــواءُ
والفقرُ عاثَ
وكلنا فقراءُ

البعض يمتلك الحبالَ
وكلنا
في مربطِ اسطبلِ الزعيمِ سواءُ

ما عاد يحتاج الكفيفُ
مُسانداً
فخطى الجميعِ كرامةٌ عرجاءُ

أو عاد يحتاجُ الأصمُّ
مترجماً
الصمتُ يحكمُ والبلادُ عماءُ

أو عاد نطلبُ للبلادِ رجالها
غابَ الرجالُ
ويحضرُ الدخلاءُ

يا سارقين القوتَ
من أفواهنا
ما عاد في هذي البلادِ نماءُ

جفّ الترابُ
وكلّ أرضٍ أقفرتْ
والضوءُ غادر ليلنا
والماءُ

شعبُ الطوابير اليتيمة
كلنا
والحالُ مثل ضميركم جرداءُ

تحيا البهائمُ في النعيمِ
وشعبكمْ
ذاق المهانةَ
واستبدّ الداءُ

لم تتركوا للناس غير ضياعها
ومشاعها
والأغنياتُ عـــواءُ

لو تنطقُ الأغنامُ قالت
إنكمْ
والذئب في حكم الحقول بلاءُ

لو تهتفُ الرايات
في عليائها
صرختْ إذا ما لامستها سماءُ

شقّتْ قميصَ الأنقياءِ
زليخةٌ
ومضت تحاضرُ في النقا قحباءُ

هذي البلادُ عصابةٌ ملعونةٌ
والناس فيها
عصبةٌ صمّاءُ

الآباءُ فيها يأكلون
بنيّهم
والأمهاتُ من البكا خنساءُ


الشاعر عصمت حسّان رئيس منتدى شواطئ الأدب بشامون الضيعه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى