أدب وفن

صرخات / قصة قصيرة/ بقلم القاصّة نور الهدى شعبان- سوريا

صرخات
الصّرخةُ الّتي نضجَتْ فوقَ جثثِ الوعودِ الباهتةِ ، اقتفَتْ آثارَ الإيمانِ الّذي ثقبَتْه تشريعاتُ قسٍّ يرتدي نزواتِهِ بزيٍّ أسودَ وعمامة داعيةً إلى الرّبِ ، بينما تجلدُ أوراقُهُ أصابعَ الملائكةِ حينَ استباحوا دمها ليلةَ شهادةِ عقد ..
تلكَ الصّرخةُ الّتي ثقبَتْ أُذُنَ السّماءٍ وهيَ تستجدي نحيبَها ليلةَ عقدِ قرانِ ، قلّدَ بوجهِ الّليل قبلَ أنْ يتحوّلَ لغرابِ شؤمٍ ينهشُ لحمَ الأملِ تكفّنَه ضبابةُ الخذلانِ .
فبينَ ازدحامِ الصّورِ و ضجيجِ الذّكرياتِ ، تُغتالُ الرّوحُ الملقاةُ على سريرِ النّهايةِ ..
تقبضُ على الفراشِ المحاصرِ بالموتِ والألمِ ، و تحاولُ ألّا تُفلِت إِصبعَ النّجاةِ الأخيرِ ، بعدَ أنْ تقطَّعَت كلُّ أصابعَها ..
كانت لاتزالُ الصّرخةُ تغصُّ في حنجرةٍ اقتُلِعَ صوتُها عنوةً بعدما أتقنَت لغةَ الفَرحِ ، فتسلَّلتْ تلكَ الغصّاتُ والصرخاتُ لتقبعَ كطيفٍ مشلولٍ مجهولٍ محاصرٍ بالصّمتٍ والوأدِ ، ترتفعُ مناجاتَها ويعلو أنينَها دونَ أنْ تقوى على أنْ تتحرَّرَ من حنجرةٍ تكدّسَ فيها البكاءُ كما تكدَّسَ الحطبُ المقطعُ من جذوعِ الأشجارِ في طريقٍ الفيضانِ ..
بينما الحريَّةُ تتثاءبُ خجلةً و الموتُ محدٍّقٌ بالمعاناةِ و السريرِ الّذي خبًّأَ تناقضاتِ النّهايةِ منَ التّعلّقِ بإصبعِ نجاةٍ يخشى أنْ تبترَهُ فتنةُ الوعودِ الزائفةِ ، يصرخُ في وجهِها الّذي ما بقيَ من طفولتِهٍ إلّا بقايا نقاءٍ مجروحٍ ..
الموت : فرح كفاكِ رقاداً ، انهضي معي إلى النّهايةِ ، أما اكتفيتِ من طعناتِ الحراسِ ..؟
علام تتمسّكينَ بإصبعِ نجاةٍ بُتِرَتْ إخوتُهُ عمداً ، دعيه لكفِّهِ المصلوبةِ على هيئةِ غصنِ نجاةٍ ، اليومَ معلّقٌ وغداً يقطعُهُ حطَّابُ الأمنياتِ ..
حينها أينَ المفرُّ و لن تجدي إلّا ذراعيَّ مفتوحةً لنجدتِكِ ، هيَّ كفاكِ رقاداً فالأملُ المزعومُ سرقَتْهُ الفضيلةُ العاريةُ و تناولَتْهُ في حفلةِ شواءِ الشَّهواتِ ..
فرح : كُفَّ عن ضجيجِكَ الَّلعينَ ، دعني وشأني ، دعني من هلوساتِكَ الحمقاءَ ، لماذا تسرقُ منِّي رسالاتي الباسمةِ بوجهِ الحياةِ ..؟
لماذا تجرٍّدُني اسمي وذاكرتي و تعرِّي أحلامي من جدائلَ النُّورِ ..؟
لماذا تسرقُ وجهي ونقائي وتدفعُني إلى غرفتِكَ المظلمةِ وكلَّما فَتحْتُ نوافذَ سعادتي أَطبقْتَ أبوابَها على أصابعِ الأملِ البريئةِ من خبثِ شرائِعِهم ..
الموت : دعْكٍ من أوهامِكِ فالرّحلةُ انتهَتْ ، وصرخاتُك البلهاءُ لن تحرِّرَها الحناجرُ الصّماء ..
ألمْ أنصحُكِ ألّا تجوبي بستانَ الورودِ المسمومِ ؟
انظري كيفَ يخجلُ من وجهِهِ بعارِ الأملِ الّذي أرتدَتْهُ غيمةُ أحلامِكِ و أنتي تجوبين مساحاتِ الضُّوءِ المبهمٍ ، ها أنتِ تعثَّرْتِ بالحقيقةِ العاريةِ ، تجاهدين سريرَ النّهاياتِ بصوتٍ مبحوحٍ ، كُفّي عن مجاراتي واذهبي معي ، هذا العالمُ ملوَّثٌ وأنتِ ضحيَّةَ عقدٍ أحرقَتْهُ الفضيلةُ العاريةُ ، وجُلِدَتْ ملائكتُهُ ظلماً وزوراً ، كُفّي عن أوهامِك المسمومةٍ فلا نجاةَ لكِ هنا من مخالبٍ العارِ .
فرح : وأنا أشرفُ على الاحتضارِ تريدُني أن أتركَ روحي معلَّقةٌ بأنيابِ أولادِ الزّنى يقضمونَ أشلائي المنسوبةِ للطُّهرِ كفاكهةِ صيفٍ ..
تريدُني أن آخذَ قسطاً أبديّاً معَكَ و تُلْبِسَ جسدي كفنَ الخوفِ من النّجاةِ لتسلِبَني إلى ضجيجِ المقبرةِ ، ويذهبُ صوتي مع رياحِكً فتفقُدُ نغمَهُ الآذانُ ..
لا يا عزيزي لن أدعَ الأجوبةَ المشوّهةَ تجوبُ ظلالَ المقاعدِ الفارغةِ وأنا من تتلمذَتْ شرائعُ النّقاءِ على يديّ .
لربّما اليومَ أدفعُ ثمنَ سقايتي الورودَ المسمومةَ الّتي غافلَتْني حقيقَتها ، ولكنّني لن أضعَ روحي بين أكوامِ الشّوكِ المعربشةِ بينَ كفّيك ، فأنت لا تعلمْ لربّما كنتُ أجهلُ حقيقةَ المصافحةِ ، ولكنّني أعلمُ انّ ذاكَ البستانُ سيثمرُ لي لو بزهرةٍ واحدةٍ خلعَتْ عن وجهٍها القناع…
مجموعة حريق البنفسج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى