ذكرى عاشوراء/ بقلم الشاعر حسن علي شرارة
ذكرى عاشوراءَ ذكرى عطرةٌ، ستظلّ خالدةً على مدى التّاريخِ، لأنّها تمثّلُ أسمى مراتبِ دفاعِ الأبطالِ عن القيمِ الكُبرى الّتي بها يُؤمنونَ وعنها يدافعونَ.
ففي كربلاءَ اجتمعتْ في إنسانٍ واحدٍ عقيدةٌ راسخةٌ ساميةٌ لا يقبلُ لها صاحبُها أنصافَ حلولٍ وتسوياتٍ؛ ورجولةٌ قادرةٌ على الذّهابِ إلى آخرِ الطّريقِ؛ ذودًا عن إيمانِها وأفكارِها، عيناها على الخلودِ، وليسَ على جاهٍ زائلٍ، ومُبتغاها رضى الله، والنّفسِ، والضّميرِ قبلَ كلِّ شيءٍ.
ولم يكنْ هذا الإنسانُ أيَّ إنسانٍ، إنّهُ الحسينُ بنُ عليٍّ بن أبي طالبٍ، ابنُ فاطمةَ الزّهراءِ، وسبطُ محمّدَ بنِ عبدِ الله رسولُ الله.
ولم تكنِ العقيدةُ أيَّ عقيدةٍ، إنّها الإسلامُ الوليدُ، الإسلامُ كما عاشَهُ الحسينُ في كنفِ النّبوةِ والإمامةِ، وكما أرادَهُ الله ورسولُهُ في رسالتِهِ إلى البشرِ.. رسالةٌ لا ملكٌ، دعوةٌ إنسانيّةٌ وتقشّفٌ، ونموذجٌ جديدٌ للعلاقةِ بينَ الحاكمِ والمحكومِ، والخالقِ والمخلوقِ، لا ترفَ حُكمٍ، ولا تقليدًا عربيًّا عصبيًّا لقيصريّةٍ رومانيّةٍ، وكسروانيّةٍ فارسيّةٍ.
ومنْ هذا اللّقاءِ النّادرِ بينَ الرّجلِ الرّجلِ، والعقيدةِ العقيدةِ انجبلتْ شخصيّةُ الإمامِ الحسينِ(ع)، وجاءَ عمادُ الدّمِ والاستشهادِ في مواجهةِ الطّاغيةِ الجائرِ المستهترِ؛ ليخلعَ على هذهِ الشّخصيّةِ قداسةً فوقَ قداسةٍ، وليجعلَ القدوةَ الحسينيّةَ البطوليّةَ قدوةً متجدّدةَ الحضورِ في كلِّ جيلٍ، وفي كلِّ عصرٍ بمواجهةِ كلِّ باطلٍ وكلِّ جائرٍ.
لم يخترِ الإمامُ الحسينُ في كربلاءَ طريقَ الحساباتِ، وموازينِ القِوى؛ لأنّهُ لم يكنْ يفكّرُ بعقلٍ عسكريٍّ، ولم يكنْ يطمحُ لاغتنامِ مكسبٍ سياسيٍّ، بلْ كانَ يفكّرُ بعقلٍ نضاليٍّ ملحميٍّ، فالاستشهادُ وصدمتُهُ هما مدخلُهُ لتحريكِ ضميرِ الأمّةِ التي بدأتْ تجبُنُ وتستكينُ، وهما غايتُهُ لتحريكِ قوىً جديدةٍ للتّصحيحِ، ولو كانتْ لا تزالُ في رحمِ التّاريخِ.
إنّها طريق الرّسالات الكبرى، والأئمة الهُداة.. فالإمامُ الحُسينُ أيقظ البشريّة باستشهادِهِ، وتحدّى بإصرارِهِ، وبإيمانِهِ الأعزلِ أعتى الطّغاةِ.
وستبقى صرختُه تتردّد في مسامعِ الدُّنيا:
واللهِ لا أعطيكمْ بيدي إعطاءَ الذّليلِ، ولا أقرُّ لكمْ إقرارَ العبيدِ…
كمْ نحن بحاجٍةٍ للاقتداءِ بنهجِكَ في هذا الزّمنِ الرّديء: هيهات منّا الذّلّة!
حسن عليّ شرارة